آخر الأخبار

الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان

الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان
من الطبيعي حين يعيش الإنسان في أي بيئة كانت فإن المصالح قد تتصادم وتتزاحم ، ولكن ذلك لا يعني إطلاق عنان العنف والغضب تجاه الآخرين واستلاب حقوقهم المشروعة ، وتصفيتهم وإقصائهم لمجرد اختلاف في الرأي أو في منفعة ذاتية . بل وحتى الذئاب الأكثر شراسة ووحشية حين تجوع لا تأكل من جنسها. تجد بعضا من الناس يستمتع في توجيه العنف اللفظي والجسدي تجاه أخيه الإنسان. و قد لا يلام " نيتشه " حين اعتزل الناس وقال : أكثر خطراً وجدت الحياة بين الآدميين . هل الإنسان عنيف بطبعه ؟
يرى هوبز أن الإنسان بطبيعته مفطور على الشر ، وقد كان في الأصل ذئباً على أخيه الإنسان ، حتى بات يغرق في مستنقع العنف ، ومن هنا أحتاج الناس إلى قانون ينظم حياتهم المعيشية ويخرجهم من ذلك المستنقع عبر اتفاقية فيما بينهم لتكوين مجتمع قائم على تبادل المنفعة وتجنب الأضرار ، ومن هنا نشأت نظرية " العقد الاجتماعي" .وقد خالف جان جاك روسو من سبقه ورأى أن الإنسان في الأصل لم يكن ذئبا كما عبر هوبز ، بل على العكس كان حملاً وديعاً وكان الناس يعيشون في حالة سلام واكتفاء ذاتي . ولكن نتيجة لعوامل اقتصادية وظهور قيم أخرى مثل الجشع والحسد انقسم الناس إلى طبقات اجتماعية متفاوتة مثل أصحاب الأملاك والعمال .بينما الإسلام يؤكد أن الخير والشر موجودا في داخل الإنسان منذ ولادته >> وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا <<

ويتفق مع النظرية القائلة أن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء وهو من يقوم باختياره بكتابة ما يريد على تلك الصفحة << وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَتَعْلَمُونَ شَيْئاً >>  لذلك فهو يذهب إلى أبعد من نظريتي هوبز وروسو ، حيث يؤكد أن أول جريمة عنف قد وقعت بعد هبوط آدم عليه السلام ، وفي أول بيت وأول أسرة وجدت على وجه البسيطة ، حين قام قابيل بتصفية أخيه هابيل بدافع الغيرة والحسد .فالإنسان يولد ولديه القابلية للعدوان والمسالمة بحسب البيئة التي نشأ وترعرع فيها . فهي التي ترضعه من أفكارها وتغذيه من قيمها ، فيشب على تلك المبادئ والقيم ، ولكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يستطيع تغييرها فالنقد الذاتي هو الغربال الذي يصفي كل تلك الموروثات .يرى الدكتور محمود البستاني في كتابه القيم دراسات في علم النفس الإسلامي ص 12 أن من الخطأ تسمية العدوان أو المسالمة بالغريزة لأننا لا نولد مزودين بهما بل إننا مزودون بـ " قابلية " واستعداد على العدوان أو المسالمة .


لذلك حين يقوم الإنسان بالتبكيت والتقريع تجاه الآخرين فإن النتيجة ستكون في الغالب عكسية إلا ما رحم الله أو يكون الطرف الآخر في محل ضعف غير قادر على الرد بالمثل ، فتظل نفسه مكبوتة مشحونة تحمل الضغينة يترقب هلاك خصمه أو الانتقام منه في حال الظفر به .
اعلم أن الكلام عن العفو والتسامح سهل يسير من الناحية النظرية وانه صعب عسير من الناحية التطبيقية . فطبيعة النفس تجمح وتنفر ممن أساء لها ، وتنجذب لمن أحسن إليها ، وشتان بين من رسم على شفاهك بسمة وغرس في داخلك وردة ، وبين من سدد لك طعنة ووجهة لك لكمة .ما أجمل الدين الإسلامي حين يحفز على العفو والتسامح في (حال المقدرة) كما فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حين عفا عن الذين حاربوه وحاولوا قتله بكل السبل فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء . كما أن التسامح من شيم النفوس الأبية والأخلاق الرفيعة والصفات الحميدة ، ولقد اثبت الزمان أن حفظ النوع البشري لا يكون إلا بالتعدد ، وليس هناك أفضلية عِرق << وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ >> .

ليست هناك تعليقات

إذا لم تجد عما تبحث عنه اكتبه بعد التعليق وستجده مرة أخرى إن شاء الله و تأكد ان تعليقك يهمنا...