آخر الأخبار

الحياة العقلية في العصر الجاهلي


الحياة العقلية في العصر الجاهلي
العصر الجاهلي :
تمهيد:
يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من(الشعر والنثر)وإن كان النثر قليلا جدا مقارنة بالشعر أن نقدم بهذه اللمحة عن بيئة الأدب،و مظاهر الحياة العربية المختلفة من سياسية، واجتماعية، ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية و الاجتماعية.
ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترة التي سبقت الإسلام بنحو مائة وثلاثين عام قبل الهجرة.وقد شب هذا الأدب وترعرع في بلاد العرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتها الطبيعية والاجتماعية والفكرية،ويحدد لنا بشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة.مما يعين الدارس على فهم أدب ذلك العصر،واستنتاج خصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهول لضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل .

بلاد العرب  :
يطلق على بلاد العرب جزيرة العرب أو الجزيرة العربية وتقع في الجنوب الغربي من أسيا، وهي في الواقع شبه جزيرة،لأن الماء لا يحيط بها من جهتها الشمالية،لكن القدماء سموها جزيرة تجوزا،وهي في جملتها صحراء ،بها الكثير من الجبال الجرداء،ويتخللها وديان تجري فيها السيول أحيان، وإلى جانب ذلك: بعض العيون والواحات.
*
وتحد جزيرة العرب بنهر الفراة وبادية الشام شمالا،وبالخليج العربي،وبحر عمان شرقا،وبالبحر العربي والمحيط الهندي جنوبا وببحر الأحمر (بحر القلزم)غربا،وتبلغ مساحتها نحو ربع أوروبا،وتتكون الجزيرةالعربية من جزأين كبيرين:

ا)أما الحجاز: فسمي بهذه التسمية لأن سلسلة جبال السراة التي يصل ارتفاعها أحيانا إلى 3150م،تمتد من الشمال إلى بلاد اليمن جنوبا،فسمته العرب حجازا،لأنه حجز بين تهامة ونجد.والحجاز أرضه قفر، قليلة المطر شديدة الحرارة،إالا في بعض المناطق كالطائف التي يعتدل جوها ،وتجود أرضها وأشهر مدن الحجاز :مكة،وبها (الكعبة )البيت الحرام ،ويثرب (المدينة المنورة)التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم،وبها لحق بربه.وكان يسكن الحجاز من القبائل العربية (قريش)في مكة،و(الأوس والخزرج)في المدينة ،و(ثقيف)في الطائف.

ب)وأما اليمن: فيقع جنوبي الحجاز،وهو أرض منخفضة على شاطئ البحر الأحمر،مرتفعة في الداخل،وقد إشتهر بالثروة والغنى والحضارة،جوه معتدل بسبب إشرافه على المحيط الهندي(البحر العربي)و البحر الأحمر،وأمطاره غزيرة وأرضه خصبة.وأشهر مدن اليمن: نجران التي اشتهرت في الجاهلية بإعتناق أهلهاالنصرانية،وصنعاء في الوسط وهي عاصمة اليمن الحديثة،وفي الشمال الشرقي منها مأرب المعروفة بسدها الذي ورد في القران في قصة سبأ.ومن أكبر القبائل التي كانت تسكن اليمن قبيلة همدان،وقبيلتامذحج ومراد.ومناخ شبه الجزيرة قاري،حار صيفا،بارد شتاء،وليس بها أنهار ولذا يعتمد أهلها على الأمطار.

أصل العرب:
يرجع أصل العرب لإلى شعبين عضيمين كبيرين،تفرعت منهما القبائل العربية،وهما:

أ)عرب الشمال أوالحجازيون: وهم من نسل عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ويسمون: بالعرب المستعربة،لأن إسماعيل عليه السلام لم تكن لغته الأصلية اللغة العربية،وإنما نطق بها لما رحل مع أبيه إبراهيم إلى الحجاز وأصهلر إلى قبيلة جرهم،وتكلم بلسانهم.

ب)عرب الجنوب: وهم من نسل قحطان،ويسمون بالعرب العاربة،لأن العربية في الأصل لغتهم ولسانهم.وكل العدنانيين و القحطانيين ينقسمون إلى فرعين أساسيين،وكل فرع ينقسم إلى قبائل متعددة،والقبيلة هي الوحدة التي أقاموا عليها نظامهم الاجتماعي،ومن أشهر القبائل العدنانية:بكر،وتغلب وهما من فرع ربيعة،قريش وكنانة وأسد وقيس وتميم وهم من فرع مضرومن أشهر قبائل القحطانيين:طيئ وكندة ولخم والأزد وغسان، وهم من فرع كهلان،وقضاعة وجهينة و عذرة وكلب وهم من فرع حمير.

القبيلة:
أسرة واحدة كبيرة تنتمي إلى أب وأم واحدة،ولها شيخ هو سيد القبيلة،ومن وظائفه الفصل بين المتخاصمين وسيادته مستمدة من احترام وإجلال القبيلة له و علاقة القبائل تقوم غالبا على العداء،فالقبيلة إما مغيرة أو مغار عليها،إلا أن يكون بين بعض القبائل حلف أو مهادنة.ولكل قبيلة شاعر أو أكثر يرفع ذكرها،ويتغنى بمفاخرها،ويهجو أعداءها،وكل فرد في القبيلة متعصب لقبيلته، مادح لمحاسنها،وعلى القبيلة أن تحميه، وتدافع عنه،وتطالب بدمه،فالفرد من القبيلة و إليها،حتى ليقول قائلهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.

لغة العرب:
اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية التي نشأت عن أصل واحد،وهي:(الاشورية والعبرية والسريانية والحبشية)،وتقتصر اللغات العربية في كتابتها على الحروف دون الحركات،ويزيد حروفها عن اللغات الآرية مع كثرة الاشتقاق في صيغها وقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى،ولكن مؤرخي العربية اتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين:جنوبية أو قحطا نية،ولها حروف تخالف الحروف المعروفة، وشمالية أو عدنانية،وهي أحدث من لغة الجنوب،وكل ما وصلنا من شعر جاهلي فهو بلغة الشمال،لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أو مضر،وهما منا القبائل العدنانية،أو من قبائل يمنية رحلت إلى الشمال، كطيئ وكندة و تنوخ،وقد تقاربت اللغتان على مر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب و التجارة والأسواق الأدبية كسوق عكاظ قرب الطائف،وذي المجاز و مجنة قرب مكة. وبذلك تغلبت اللغة العدنانية على القحطانية،وحين نزل القران الكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية،وأصبحت معروفة باللغة الفصحى. وقد كان لنزول القران بها اثر في رقيها وحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ و التعبيرات و المعاني مما أعان على بسط نفوذها،واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرنا الحالي.

العرب الذين أخذت عنهم اللغة:
قال (أبو نصر الفارابي) في أول كتابه المسمى بالألفاظ والحروف: *كانت(قريش)أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ،وأسهلها على اللسان عند النطق،وأحسنها مسموعا، وأبينها عما في النفس.والذين أخذت عنهم العربية هم (قيس)و(تميم)و(أسد) وعليهم إتكل في الغريب و الأعراب والتصريف،ثم(هذيل)وبعض(كنانة)وبعض(الطائيين) ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط،ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم .
و الذي نقل اللغة واللسان العربي عن هؤلاء وأثبتها في كتاب فصيرها علما و صناعة هم أهل(البصرة) و(الكوفة) فقط من بين أمصار العرب.

حياة العرب السياسية:
تاريخ العرب في الجاهلية غامض،ولم يدون،لتفشي الأمية بينهم،ومع ذلك فقد كانت هناك حياة سياسية، بعضها متصل بنظام حياتهم الداخلية و بعضها الأخر متصل بعلاقتهم وإتصالهم بمن حولهم:

أ)أما فيما يتصل بنظمهم الداخلية: فقد قامت في اليمن دولة سبأ،التي كانت عاصمتها (مأرب) ،كما قامت دولة حمير التي كانت عاصمتها (ظفار) وقد حاربت الفرس والأحباش،وفي الشمال نجد العدنانيين الذين تعددت قبائلهم وأكبر فروعهم :ربيعة و مضر وكانت بينهما أحداث كثيرة وحروب طويلة،كحرب البسوس بين بكر وتغلب وحرب داحس والغبراء يبن عبس وذبيان،وكانت مكة أعظم موطن العدنانيين و قد سكنتها كنانة و قريش،وانتهت إليهما ولاية البيت الحرام ثم انحصرت في قريش.

ب)وأما فيما يتصل بعلاقة العرب بغيرهم: فقد اتصلوا بمن حولهم عن طريق التجارة،وأشار القران الكريم إلى ذلك وكانت هذه التجارة وسيلة إلى معرفتهم ببعض شؤون الممالك وعمرانها،كما نقلوا عن طريق تلك الرحلات كثيرا من ألفاظ تلك الأمم كالفارسية والرومية و المصرية والحبشية و أدخلوها في لغتهم. *وبالإضافة إلى ذلك فقد أقامت الدولتان الكبيرتان (الفرس و الروم) إمارتين عربيتين على حدودها لدفع غزوات العرب،فكونت (فارس) من القبائل المجاورة لحدودها إمارة الحيرة وكان أميرها يعينه ملك فارس ومن أشهرهم النعمان بن المنذر الذي مدحه النابغة الذبياني و إعتذر إليه كذلك أقام الروم إمارة الغساسنة و كانوا يدينون بالنصرانية،واشتهروا بالكرم وقد مدح حسان بن ثابت وغيره بعض أمرائهم،ونتج عن هذا الاتصال بين العرب وجيرانهم تسرب أنواع من الثقافات إليهم،ظهرت في الألفاظ و القصص و الأخبار.

حياة العرب الأجتماعية
ينقسم العرب إلى قسمين رئيسيين:
أ)سكان البدو: وهم أغلب سكان الجزيرة،وعيشتهم قائمة على الإرتحال و التنقل وراء العشب و الماءومن ثم سكنوا الخيام المصنوعة من الوبر و الشعر والصوف،وقد أكثر الشعراء في وصفها و الوقوف أمام أطلالها (ما بقي من أحجار بعد رحيل سكانها) ،وأكثر طعام أهل البادية: الحليب و التمر،والإبل عماد حياتهم،يأكلون من لحومها،ويشربون من ألبانها،ويكتسبون من أوبارها،ويحملون عليها أثقالهم،ولقد قوموا بها الأشياء،وافتدوا بها أسراهم في الحروب: وقال فيها شعراؤهم القصائد الطويلة،كما كانوا يعنون بالخيل، فاستخدموها في الصيد و السباق والحروب،وكانت متاع المترفين،لذلك ورد فيها أقل مما ورد في الإبل.
*
وكانت العلاقة بين القبائل العربية علاقة عداء،فسادت الحروب حياتهم وانبعثت من خلالها صيحات السلام، وظهرت عاطفة الإنتقام و الأخذ بالثأر،وكثر في أشعارهم وصف الوقائع و الفخر بالإنتصار والحرص على الشرف،ومن أجل ذلك سادت الأخلاق الحربية فيهم،وهي الشجاعة والكرم والوفاء،ومارس العرب من متع الحياة الصيد،وتفشت بينهم عادة شرب الخمر و لعب الميسر،وخاصة بين المترفين منهم،وقامت حياة العربي في الصحراء على أساس الاعتماد على النفس،ومواجهة الحياة بخيرها وشرها.وشاركت المرأة الرجل في كثير من شؤون الحياة ،وفي الحروب كن يخرجن لإثارة الحماسة،ومما يدل على مكانتها،أنه لا تكاد تخلو قصيدة من الافتتاح بذكرها والتغزل بها.

ب)أماسكان الحضر: فقد سكنوا المدن،وعاشوا في استقرار،واتخذوا الدور والقصور،وكانوا أقل شجاعة وأشد حبا للمال،وكان أهل اليمن أرسخ قدما في الحضارة،وقد نقل المؤرخون كثيرا من أحوالهم،في ثيابهم الفاخرة،وأطباق الذهب والفضة التي يأكلون فيها،وتزيين قصور أغنيائهم بأنواع الزينة،وقد أمدهم بذلك كثرة أموالهم عن طريق التجارة و الزراعة،وكانت (قريش) في مكة أكثر أهل الحجاز تحضرا،فقد أغنتهم التجارة ومن يأوي إليهم من الحجيج،فنعموا بما لم ينعم به غيرهم من سكان الحجاز.

حياة العرب الدينية:
تعددت الأديان بين العرب،وكان أكثرها انتشارا عبادة الأصنام و الأوثان،واتخذوا لها أسماء ورد ذكرها في القران الكريم،مثل: (اللات،والعزى،ومناة) وقد عظمها العرب وقدموا لها الذبائح،وتأثرت حياتهم بها،حتى جاء الإسلام فأزالها وأنقذهم من شرها وكان من العرب من عبدوا الشمس كما في بعض جهات اليمن ،ومن عبدوا القمر كما في كنانة،وقد انتشرت اليهودية في يثرب واليمن وانتشرت النصرانية في ربيعة و غسان و الحيرة ونجران،وهناك طائفة قليلة من العرب لم تؤمن بالأصنام ولا باليهودية ولا بالنصرانية و اتجهت إلى عبادة الله وحده وهؤلاء يسمون بالحنفاء وكان من بينهم زيد بن عمرو بن نفيل،وورقة بن نوفل وعثمان بن الحارث.وهكذا تعددت الأديان بين العرب،و اختلفت المذاهب حتى أشرق نور الإسلام فجمع بينهم،وأقام عقيدة التوحيد على أساس من عبادة الخالق وحده لا شريك له.

حياة العرب العقلية:
العلم نتيجة الحضارة،وفي مثل الظروف الاجتماعية التي عاشها العرب،لا يكون علم منظم،ولا علماء يتوافرون على العلم،يدونون قواعده و يوضحون مناهجه إذ أن وسائل العيش لا تتوافر،ولذلك فإن كثيرا منهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهم من التفرع للعلم،والبحث في نظرياته وقضاياه.
وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعمل المنظم،فهناك الطبيعة المفتوحة بين أيديهم،و تجارب الحياة العملية وما يهديهم إليه العقل الفطري،وهذا ما كان في الجاهلية،فقد عرفوا كثيرا من النجوم ومواقعها،والأنواء وأوقاتها،واهتدوا إلى نوع من الطب توارثوه جيلا بعد جيل،وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة،إلى جانب درايتهم القيافة والكهانة،كما كانت لهم نظرات في الحياة. *أما الفلسفة بمفهومها العلمي المنظم،فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ،وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلا التفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون،من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد،من مثل قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
*
واكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضور البديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية: لغتهم وشعرهم وخطبهم ووصاياهم و أمثالهم.

المؤلفات التي تناولت الحياة العقلية في العصر الجاهلي هي:

كتاب للشيخ مصطفى الغلاييني::::::::::::::::::::رجال المعلقات العشر.
كتاب لجورجي زيدان:::::::::::::::::: تاريخ الآداب العربية.
لعبد الرحمان شيبان::::::::::::::::::::::::::الادب الجاهلي.
كتاب لطه حسن:::::::::::::::::::العصر الجاهلي كتاب.

ليست هناك تعليقات

إذا لم تجد عما تبحث عنه اكتبه بعد التعليق وستجده مرة أخرى إن شاء الله و تأكد ان تعليقك يهمنا...