آخر الأخبار

الشريف التلمساني : 710-771هـ 1310-1370م

 الشريف التلمساني : 710-771هـ 1310-1370م

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن يحي الادريسى
الحسني العلويني ( بسكون اللام وآسر الواو ) نسبة إلى قرية تلمسان ،
المعروف بالشريف التلمساني ، من الأشراف الحسنيين الذين يتصل نسبهم
بالحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما . ولد بقرية
العلوين عام 710 ه ، وبها نشأ ، ثم قصد تلمسان لطلب العلم فأخذ القرآن عن
الشيخ أبي زيد بن الإمام يعقوب حتى أتى عليه حفظا وتجويدا ، ثم لازم ثلة
من أآابر علماء تلمسان فتتلمذ على أيديهم ومنهم : الأخوان أبو زيد عبد
الرحمن وأبو عيسى موسى الشهيران بابني الإمام ، والقاضي أبو عبد الله بن
هدية القرشي ، وأبو عبد الله محمد بن محمد البروني ، والقاضي ابن عبد
النور والقاضي علي ابن الرماح ، وعبد الله بن عبد الواحد المجاصي ، ومحمد
بن يحي بن علي الشهير بابن النجار وأبو موسى عمران بن موسى المشدالي
البجائي (ت 745 ه  1344 مالذي لقنه علوم الفقه والحديث والأصلين
والفرائض والمنطق والجدل ، ولعل أشدّ أساتذته تأثيرا فيه محمد بن
ابراهيم الآبلي التلمساني (ت 757 ه  1350 مالذي آان علم عصره في
المعقولات، فقد بذل لأبي عبد الله الشريف ما لديه من العلوم فانتفع به
انتفاعا عظيما ، وآان معحبا به وبذآائه وقوة حافظته فاهتم به
اهتماما آبيرا وأفرده بالعطف والتقدير .
وقد ظهرت عليه مخايل النبوغ ، وشهد له جميع أساتذته بفطنته
وعبقريته الفذة ، إذ استطاع أن يستوعب في سن مبكرة جدا مختلف العلوم
من معقول ومنقول . وبعد عودته من فاس التي قصدها للقراءة على الآبلي ،
تصدّر للتدريس في تلمسان . وفي عام 740 ه رحل إلى تونس لاستكمال
رحلته العلمية ، فلقي بها أبا عبد الله بن عبد السلام الهواري ، ثم عاد إلى
تلمسان واستأنف التعليم بها .
وعندما دخل السلطان المريني أبو عنان تلمسان عام 753 ه قرّبه منه
وألحقه بمجلسه العلمي ،ثم اصطحبه معه إلى فاس . غير أن الشريف أبا عبد
الله لم يطق حياة الغربة، ورغب في العودة إلى تلمسان ، فارتاب السلطان في
أمره ، وأمر باعتقاله وألحق به الأذى لكنّه عاد بعد ذلك وأطلقه عام 756 ه
وأبعده عن مجلسه . وعندما فتح قسنطينة ، عفا عنه ، واستدعاه مرّة أخرى ،
واستخلصه لنفسه فبقي ملازما له إلى أن مات أبو عنان عام 759 ه . و لما
استولى السلطان الزياني أبو حمو بن يوسف على تلمسان ، بعث إلى فاس
يستقدم الشريف أبا عبد الله ، واستقبله استقبالا حافلا ، ورفع مقامه في
مجلسه ، وزوجه ابنته ، وبنى له مدرسة خاصة به ، وفيها أقام يدرّس إلى أن
وافاه أجله .
آان مفسّرا مشهودا له بالبراعة ، إماما في آلّ ما يتعلق بعلوم التفسير
، محدثا بارعا ، إماما مجتهدا ، من آبار علماء المالكية وفقهائها الأجلاء ،
وإليه إنتهت رئاسة المالكية في عصره قائما على الأصول والفروع متكلما ،
واسع المعرفة للغريب والشعر وأخبار العرب ، بارعا في العلوم العقلية آلها
من منطق وحساب وتنجيم وهندسة وموسيقى ، قيما بفنون الطب والتشريح
والفلاحة.
آما آان زاهدا ، متعبدا ، آريم النفس، نزيه الهمة ، صادق اللهجة
قوي النفس ،جميل العشرة ، آريما ، أحيا السنة وأمات البدعة ، وملأ المغرب
علوما ومعارف وتلاميذ ، شديد الاهتمام بطلبته ، يطعمهم ألذ المطاعم
وأشهاها ، ويقرب النابغين منهم ، والمجتهدين في طلب العلم ، ويذآرهم على
الدوام عند السلطان لرفع منزلتهم عنده ، فكان الطلبة << على عهده من أعزّ
الناس ، وأآثرهم عددا وأوسعهم رزقا >>.
آانت له صلات ود وثيقة بعلماء عصره الذين اعترفوا له بعلوّ آعبه في
شتى العلوم، فحملوا له آل احترام وتقدير ومنهم شيخ علماء الأندلس أبو
سعيد بن لب الذي آان يراسله آلما أشكلت عليه مسألة فقهية أو فتوى يطلب
منه الفصل فيها ، آما آان الشاعر الوزير لسان الدين بن الخطيب يبعث
إليه بكتبه ليرى فيها رأيه ، ويكتب عليها بخطه قبل أن يخرجها للناس .
ترجم له الونشريسي في آتاب أسماه << القول المنيف في ترجمة
الإمام أبي عبد الله الشريف>> ، وقال عنه الامام ابن مرزوق الحفيد : << هو
شيخ شيوخنا أعلم أهل عصره بإجماع>> وقال عنه ابن خلدون : << الإمام
الفذ فارس المعقول والمنقول ، صاحب الفروع والأصول >>، واعترف شيخه
الآبلي أنّه لم ير في آلّ من قرأ عليه من هو أنجب من أبي عبد الله الشريف ،
ومن هو أرجح منه عقلا وأآثر تحصيلا .
تخرّج على يديه طلبة آثيرون ، نبغ منهم علماء أجلاّء ، وانتفع به خلق
جمّ ، وانتشر تلاميذه في أطراف المغرب العربي الكبير ، ومن أشهر من أخذ
عنه : محمد بن علي الميورقي ، وأبو عبد الله القيسي ، ومحمد بن عبد
السلام ، وابنيه : أبو محمد عبد الله وأبو يحي عبد الرحمن ، وابراهيم
المصمودي ، وعبد الرحمن بن خلدون ، وابراهيم الثغري التلمساني ،
ومحمد بن أبي اسحاق ابراهيم الرندي الشهير بابن عبّاد ،
والإمام ابراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي ، ومحمد
بن أبي البرآات المكناسي الشهير بابن السكّاك ، والوزير الشاعر محمد بن
يوسف الصريحي الشهير بابن زمرك.
أفنى الشريف التلمساني عمره في البحث والنظر والدرس والتعليم ،
والارشاد ، وقد آانت جلّ أوقاته ملك طلبته الذين يتزاحمون عل حضور
دروسه حتى اضطر إلى تقسيم الأوقات بينهم بالساعة الرملية . وآان اهتمامه
بنشر العلم وبثه في الصدور آثيرا ما يلهيه عن أهله الذين لا يرونه لمدة قد
تزيد على الشهر . وقد آان ذلك أحد الأسباب التي شغلته عن تأليف الكتب على
الرغم من غزارة علمه وسعة اطلاعه .
من آثاره : << مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول >> طبع
بتونس عام 1346 ه ، وأعيد طبعه بالقاهرة عام 1963 م ، و << شرح جمل
الخونجي >> وقد جاء فيه بعلم آثير ولطائف مما جعل العلماء يقبلون عليه
قراءة واستنساخا ، وآتاب في القضاء والقدر ، وضّح فيه
وجوه الحق من تلك المباحث التي أشكلت على الناس
وخاضوا فيها بغير علم ، وآتاب في المعاوضات ، وهو مجموعة أجوبة
عن مسائل وردت عليه من عالم توزر الشيخ يحي الرهوني ، وآتاب
<< مثارات الغلط >> ذآره التنبكتي في نيل الابتهاج ، ورسائل وأجوبة
في مسائل علمية مختلفة .
آان علم التفسير في طليعة العلوم التي أولاها قسطا آبيرا من اهتمامه
وعنايته ، وقد دأب عليه خمسا وعشرين سنة ، يفسّر في آلّ يوم ربع حزب
من القرآن ، وبذلك ختم تفسير القرآن الكريم مرّتين في حياته تدريسا . وقد
وصل قبل وفاته إلى تفسير قوله تعالى: << يستبشرون بنعمة من الله وفضل
...>> ثم اشتد عليه المرض بعدها فلم يقو على لقاء الناس ، ووافته
المنية وهو يقبل المصحف الشريف ويمسح به على وجهه ويقول : << اللهم
آما أعززتني به في الدنيا فأعززني به في الآخرة >>.
توفي ليلة الأحد 4 ذو الحجة 771 ه بتلمسان ، وحضر جنازته
السلطان الزياني أبو حمو الثاني الذي عزّى نفسه فيه ، لأنه آان يباهي به
الملوك ، ودفنه عند قبر أبيه أبي يعقوب بالمدرسة اليعقوبية تبرآا بجواره ( 2


، 2) مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ، ص ح ، نيل الابتهاج ، ص 430 ، البستان ، ص 164 )
تعريف الخلف ، ج ، ص 110 ، التعريف بابن خلدون ، ص 64 ، بغية الرواد ، ص 120 ، القول المنيف في
ترجمة أبي عبد الله الشريف للونشريسي ، تاريخ الأدب الجزائري ، ص 114 ، تاريخ الجزائر العام ج ، ص
209 ، نشر المثاني ج ، ص 111 ، جذوة الاقتباس ، ص 316 ، معجم المؤلفين ، ج ، ص 301 ، شجرة
، النور ، ص 234 ، درة الحجال ، ج ، ص 269 ، الوفيات ، ص 368 ، نفح الطيب ، ج ، ص 272
وفهرسته ، معجم أعلام الجزائر ص 187 ، الأصالة ، ع ، أكتوبر 1971 ، ص 48 ، أبو حمو موسىالزياني ،

ص 162

ليست هناك تعليقات

إذا لم تجد عما تبحث عنه اكتبه بعد التعليق وستجده مرة أخرى إن شاء الله و تأكد ان تعليقك يهمنا...