العوامل الداخلية للنهضة الجزائرية
I.
العوامل
الداخلية للنهضة الجزائرية:
I. 1. فشل المقاومة الشعبية المسلحة
(1830-1916):
لقد
عاشت الجزائر طيلة ثلاثة قرون في حالة من الاستقرار متصدية لكل الأخطار الخارجية
والحملات الصليبية، لكن يبدو أن هذا الاعتقاد في قوة الجزائر لم يدم طويلا، فبحلول
سنة 1830 ابتليت بأبشع احتلال عرفه التاريخ، فلقد كان الغزو الفرنسي على الجزائر
حلقة من حلقات الحركة التوسعية الامبريالية.
فكيف كان رد
فعل الجزائريين من هذا العدوان الصليبي؟ وكيف واجهه؟
*رد فعل الشعب
الجزائري من الاحتلال الفرنسي 1830:
عندما
نزل الجيش الفرنسي بسيدي فرج يوم 14 جوان 1830 بقوة قوامها 37 ألف جندي، لم يجد أمامه
سوى 15 ألف جندي نظامي، ولقد حاولت هذه القوة ردع الفرنسيين لكنها وجدت نفسها أمام
جيش يفوقها عددا ويتفوق عليها عدة وتنظيما، وبالتالي كانت النتيجة احتلال الجزائر
العاصمة،[1]
وسقوط الكيان السياسي على اثر معاهدة الاستسلام التي وقعها الداي حسين والجنرال دي
بومون.*
فوجد الشعب
نفسه وجها لوجه ضد المستعمر، مما اوجد لديه حالة من الاضطراب الشديد بفعل الفراغ
الذي أحدثه انهيار السلطة السياسية بالجزائر، وظن الفرنسيون أنهم باحتلال مدينة
الجزائر سقطت البلاد في أيديهم، وان عملية الاحتلال لا تعدوا أن تكون نزهة عسكرية،
فقد صرح دي بورمون De Bourmont قائلا: "إن كل أنحاء مملكة الجزائر ستخضع لنا خلال 15 يوما
دون أي طلقة نارية...".[2]
لكن سرعان ما
اصطدم الجيش الفرنسي بمقاومة شعبية شرسة، كانت السمة الرئيسية للقرن التاسع عشر
الذي تميز بسلسلة لا تنقطع من الثورات النابعة من ضمير الشعب بأكمله.
وبمراجعة سجل
الكفاح الذي خاضه الشعب الجزائري نلاحظ أن هذا الكفاح قد مر بمرحلتين :
-مرحلة
المقاومة الوطنية المسلحة التي تتميز بالتنظيم والشمولية، وهي المرحلة الأولى التي
تصدى فيها الجزائريون للاحتلال منذ جوان 1830 إلى غاية 1848.
-والمرحلة
الثانية وهي مرحلة الانتفاضات والتي امتدت من 1848 إلى عام 1916 بقيام الحرب
العالمية الأولى، وشملت أنحاء متعددة من أنحاء البلاد وقادها العديد من رؤساء
القبائل ومشايخ الزوايا.[3]
إلا أن كلا
المرحلتين كللتا بالفشل، وسنتطرق لأسباب فشل هذه المقاومات كلا على حدى.
*المقاومة
الوطنية المسلحة 1830-1848:
لعله
من المفيد التذكير ببعض المقاومات الهامة التي خاضها الجزائريون، لكي تتبين لنا أسباب
الفشل.
ففي كل مكان
وضع فيه الاستعمار قدمه إلا ولقي مقاومة عنيفة وتصدي حازم، ومن ذلك ما قامـت به:
مقاومة
متيجة في وسط الجزائر: بزعامة ابن أبي مرزوق وابن السعدي من
جبال زواوة متوالية على الجنرال بليرتزين، لكن بتغيير الجنرال روفيقو 1830اصبحت
الحرب سجالا بينهما، إلى أن انظم إلى الأمير عبد القادر.
وبعد سقوط
مدينة المدية والبليدة 1830 توقفت حركة المقاومة في منطقة متيجة، وأصبحت مقاومة
مفككة ومبعثرة عاجزة عن القيام بأي رد فعل ضد القوات الفرنسية المتوسعة والمسيطرة
على سهـل متيجة.[4]
المقاومة بشرق الجزائر:
فقد تزعمها الحاج احمد باي في قسنطينة الذي استغل انهيار الحكم المركزي لتعزيز
استقلاليته بشرق البلاد فتمكن في ظرف وجيز من توحيد السكان والقبائل المتناحرة،
فلم تستطع قوات الاحتلال أن تحقق أي تقدم ملموس شرق البلادن ومنيت قواتها بخسائر
جسام سنة 1836.[5]
لكن في سنة
1837 جددت فرنسا قواتها وهاجمت المدينة بما يزيد عن 20 ألف جندي مدعمين بضباط
معروفين بقدراتهم القتالية أمثال تريزيل، لامي، هولد، كومب، لاموريسيا، رولبير
وتحت قيادة داتريمون، فسقطت مدينة قسنطينة بسلاح المدفعية أما احمد باي فقد التحق بأخواله
في الصحراء واستمرت مقاومته حتى سنة 1848.[6]
أما عن أسباب
فشل هذه المقاومة فيمكن إجمالها فيما يلي:
- افتقار مقاومة أحمد باي إلى الإستراتيجية الحربية فاعتمد
على أسلوب الدفاع أكثر من الهجوم والمواجهة خارج أسوار المدينة، وبالتالي فتميزت
مقاومته بالمحلية، ضف إلى ذلك عدم تجديد خطته الدفاعية ولعل السبب الرئيسي في هذا
هو افتقار قادة المقاومة الشعبية إلى الاحترافية وهذا ما جعلها تتميز بعدم الدقة
والتنظيم.[7]
- تعددت الجبهات ضد أحمد باي، من فرحات بن سعيد الذي كان يقترب من
الزيبان وبوعزيز بن قانة في الصحراء، وجبهة فرنسا في وسط البلاد، إضافة إلى جبهة
باي تونس من الشرق الذي كان الجنرالات الفرنسيون يحرضونه لعرقلة وصول الأسلحة
والذخائر التي ترسل للباي أحمد من الباب
العالي.
-تفرغ فرنسا
للمنطقة الشرقية بعد توقيعها لمعاهدة التافنة 1837، ولسنا هنا نلوم الأمير على
عقده للمعاهدة لأن للأمير أسبابه منها، ربح الوقت لتدعيم دولته وكسب ولاء القبائل
و استمالتهم لجانبه.
*المقاومة في
الغرب الجزائري:
لقد كان
الأمير عبد القادر وهو ابن الرابع والعشرين ربيعا يحضر للمقاومة عن طريق سياسة
توحيد القبائل سواء بإرغامها بالقوة أو بالإقناع والتحالف، إن الأمير كان مدرك أن
نجاح المقاومة يقتضي تشكيل سلطة جزائرية موحدة، ولذلك نجده قد أقام اتصالات عديدة
مع رؤساء القبائل[8]، وحصل
منهم على الولاء عدى باي قسنطينة الذي كان
يعتقد بأنه بإمكانه القضاء على الفرنسيين لوحده، كما قام بإنشاء وتأسيس دولة بكامل
أركانها من جيش ومصانع أسلحة وعاصمة، راية، ضرب السكة، عين ولاة، أسس لبيت مال المسلمين،
اهتم بالحياة الثقافية فأنشأ مكتبة وطنية، وأقام علاقات دبلوماسية مع الدولة
العثمانية، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية.
رغم كل هذا
التنظيم والانتصارات التي حققها الأمير إلا إن مقاومته باءت بالفشل وأعلن استسلامه
النهائي سنة 1847 على يد القائد الفرنسي لامورسيار.
ويمكن إجمال
فشل مقاومة الأمير في الأسباب التالية:
-
على اثر سقوط
قسنطينة أصبح الأمير الهدف الوحيد الذي يجب تصفيته بأي ثمن وبكل وسيلة.
-
تعدد الجبهات
ضد الأمير الذي وقع بين نارين ، رصاص القوات الفرنسية من جهة الشرق ورصاص مولاي
عبد الرحمان المغربي من جهة الغرب، الأمر الذي أدى إلى استسلامه سنة 1847،
بالإضافة إلى الجبهة الداخلية التي دعمتها فرنسا، بشرائها لضمائر رؤساء القبائل
والعشائر ليعينوها على مقاتلة الأمير، كالخيانة التي قام بها عمر العيادي الذي
أوقع بيت مال وذخائر الأمير بيد الفرنسيين، مما أفقده القدرة على امتلاك مصانع
الأسلحة في ظل الإمدادات الكبيرة والأسلحة المتطورة التي كانت تحت يد فرنسا، مما
جعل معادلة الفوز صعبة إن لم نقل مستحيلة.
-
سياسة بيجو
الجهنمية (الاحتلال الشامل La conquête totale) التي كانت تقوم على سياسة
الاستيلاء على الأراضي والممتلكات وإحراقها، فهذه السياسة كان المراد منها قطع
الطريق بين المقاومة والشعب الجزائري باعتبار هذا الأخير هو القاعدة الصلبة التي
ترتكز عليها أية مقاومة.[9]
-
عدم وحدة الصف
في مواجهة العدو، فكل مقاومة كانت تستميت لوحدها، لكن الحقيقة التاريخية هنا قد
كشفت عن نية الأمير في توحيد الصف من خلال المراسلات التي توسط فيها بعض الأعيان إبان
البدايات الأولى للاحتلال وفيما بعد سنة 1839، إلا أن احمد باي قد رفض الانضواء
تحت مقاومة الأمير واظهر شيئا من اللامبالاة مما اعدم أية إمكانية تفأوت بينهما، إن
هذه الهفوة السياسية لأحمد باي قد كلفت المقاومة الجزائرية غاليا.[10]
هذه هي مجمل الأسباب
التي جعلت المقاومة الجزائرية المنظمة تفشل في تحقيق أهدافها إلا أن جذوة المقاومة
لم تخب مع ذلك.
الانتفاضات
الشعبية 1848-1916:
بالرغم من
انتهاء مقاومة احمد باي والأمير عبد القادر إلا أن شعلة الروح الوطنية بقيت ملتهبة
في النفوس وعبرت بحق عن حيوية وإرادة الجزائريين الجبارة الرافضة للوجود
الاستعماري كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ومن أهم الانتفاضات[11]
التي حدثت هي انتفاضة الزعاطشة 1848 أو ثورة أولاد سيدي الشيخ 1864-1881، وثورة
المقراني 1871، انتفاضة الأوراس 1879، ثورة بوعمامة 1881، انتفاضة عين تركي 1901،
ومارغريت 1904. (انظر الملحق رقم 02).
إلا أن هذه
الانتفاضات وعلى كثرتها وتفأوت صداها لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة تشترك في
كثير منها مع أسباب فشل المقاومة المنظمة:
-
لم تكن هناك
تعبئة وطنية أو تنظيم إقليمي لأي انتفاضة، فقد كانت القبيلة تثور بمجرد أن تلحقها إهانة
من طرف الجيش الفرنسي.[12]
-
الانتفاضات في
غالب الأحيان إستجابة تلقائية للدعوة التي يوجهها رجال الدين أو زعماء القبائل
خاصة الزاوية الرحمانية، وقد أشار إلى ذلك الدكتور فيتال الذي كتب من قسنطينة إلى
صديق له في 8 أفريل 1864 يقول له: "ما تزال هناك كلمات تهز هذا البلد هزا
كلما ورد ذكرها، وهي الكلمات القومية، الإسلام، الأرض المقدسة التي يجب تطهيرها من
الكفار، هذه الكلمات التي عندما تتردد تجعل الشعب مستعدا للثورة...".[13]
-
ضيق الرقعة
التي تقع فيها المقاومة مما يسهل مهمة الجيش الفرنسي في القضاء عليها خاصة مع
التلقائية والتنظيم الغير محكم لها، وعدم وجود تنسيق بين القبائل الثائرة.
-
قمع الفرنسيين
هذه الانتفاضات بوحشية قلما يحدثنا التاريخ عن مثلها، فقد إرتكبت جيوش فرنسـا من أعمـال
التقتيل والتخريب والحرق والنهب والسلب والتشريد وقطع الرؤوس ما لا يمـكن وصفه.[14]
وهي أساليب
مسموحة في نظرهم مادام الأمر يتعلق بغاية الفرنسيين في القضاء على المقاومة وتهدئة
الأوضاع لنجاح الاستيطان، ويكفي أن نطلع على ما رواه أولئك الضباط الفرنسيين عن
حملاتهم، لنحصل على صورة ولو ضئيلة عما قاساه أجدادنا من ويلات الاستعمار، فهذا
العقيد ديمونتنياك Demonitagnac يسجل في كتابه رسائل جندي « Lettres d’un Soldat »: "... أننا رابطنا في وسط
البلاد وهمنا الوحيد الإحراق، القتل، التخريب حتى تركنا البلاد قاعا صفصفا، إن بعض
القبائل لازالت تقاومنا ولكننا نطاردهم من كل جانب حتى تصبح النساء والأطفال بين
سبي وذبيح، والغنائم بين سلب ونهب 1842...".[15]
ومن
ديمونتنياك إلى سانت أرنو Saint Arnand، لنفسح المجال لهذا الجنرال فيتحدث عن نفسه ليقول: "إننا
اليوم في قلب الجبال وقليلا ما نستعمل بنادقنا، إننا نحطم ونحرق ونخرب الديار والأشجار،
عثنا في الأرض فسادا وأصليناهم نار... وقطعنا أكثر من ألف شجرة زيتون".
إن هذه الأعمال
لم تزد للجيش الفرنسي إلا السمعة السيئة، أما الجزائريون الثوار فقد زادتهم تحدي
وقوة حتى أن بيلسي Pellissier de Reymand صرح قائلا: "لا أخاف إذ أقول
بأن مجد المنهزمين فاق وطغى على مجد المنتصرين".
وكل
ما يقال عن المقاومة والانتفاضة الجزائرية بأنها لم تحقق نجاحا عسكريا، بسبب قوة
الجيش الفرنسي إلا أنها استطاعت أن ترسخ الروح الثورية في النفوس.
ورغم انطواء
الجزائريين على ذاتهم، إلا أنهم لم يستسلموا واتجهوا إلى المقاومة المعنوية التي
لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة.
I.2 السياسة الفرنسية التعسفية :
I. 2-1. محاربة القضاء الإسلامي :
لاشك في أن
القضاء الإسلامي هو بمثابة ميلاط لإستمرار وتماسك المجتمع المسلم، ومن ثمة ضمان
تواصله ومناعته، وكان هذا هو حال القضاء الإسلامي في الجزائر قبل الاحتلال، أما
على عهد الاحتلال فقد شكل القضاء جبهة الصراع الرئيسية بين الجزائر وفرنسا.
فمنذ الأسابيع
الأولى للإحتلال إتخذت سياسة هادفة مشت
على دربها خطوة خطوة بغية الوصول إلى تصفية هذا المقوم الرئيسي للأمة الجزائرية،
تصفية كاملة....
لذا أصدرت
قرارا سنة 1834[16] يقضي
بوجوب استئناف الأحكام التي يصدرها القاضي المسلم أما مجلس الاستئناف الفرنسي، وفي
فيفري 1841 صدر قانون بنزع السلطة القضائية للقضاء الجزائري في أحكام الجنايات، أي
انتزاع صلاحيات قمع الجرائم، وجعلها من اختصاص محكمة الاستئناف الفرنسية.
ولذلك كان
القضاء قبل 1848 تابعا لوزارة الحربية، لكن بعد هذه السنة وقع فصل بين القضاء الإسلامي
للأهالي وقضاء المستوطنين.
وفي خطوة أخرى
يمكن وصفها بكونها مرحلة تدجين القضاة وتحويلهم إلى أداة من أدوات السيطرة والقهر،
ونجحت في ذلك بالفعل، فكثير منهم كانوا يمثلون أبشع صور الجشع والنهب، لكن رغم ذلك
ظل الجزائريون متشبثين به لأنه رمز وشعار لشخصية الجزائري المسلم.
أما في 13
ديسمبر 1866[17] فقد
صدر مرسوم حطم القضاء الإسلامي بفرضه على المسلمين التقاضي لدى قضاة الصلح
الفرنسيين، وأصبحت مهمة القاضي المسلم تنفيذ أحكام قضاة الصلح الفرنسيين ليس أكثر...
كما استهدف
تضييق صلاحيات القضاء الإسلامي في ميدان المعاملات عندما تم تحديد حجم القضايا من
الناحية الماليـة، والتي يحق للقضاء أن يفصـل فيها، لكن الجزائريين لم يتذمروا
كثيرا من هذا الإجـراء لأنهم فقروا من قبل الاحتلال، فأصبحوا يفترشون الأرض
ويلتحفون السماء وبالتالي لم يحسوا كثيرا بهذا التغيير.
وفي غمار هذه الممارسات
المشينة ضد الاحتلال الإسلامي، عكف المستوطنون على إقامة نظام قضائي خاص بهم، فكان
لهم ذلك بموجب مرسوم 21 أكتوبر 1870،[18]
والذي حقق فيه المستوطنون انتصارا كبيرا، بإنشاء هيئات للمحلفين، ومحاكم الجنايات،
بهدف دمج المؤسسات القانونية في القانون العام الفرنسي، وشرع في تطبيقه في جانفي
1871 بعد ثورة المقراني، فأعطت هذه الهيئات المستوطنين حرية ممارسة التعسفية على الأهالي،
فقد أعطى لهم الحق في معاقبة الأهالي دون عرضهم على المحاكم القضائية.[19]
ولتكون سياسة
محاربة القضاء الإسلامي موازية لعمل حملات التبشير في الجزائر عامة وبلاد القبائل
خاصة، أصدرت بتاريخ 28 أوت 1874[20]
أمرا بتوقيف المحاكم الإسلامية في المنطقة.
وبالرغم من سياسة تضييق الخناق على القضاء، إلا أن
الجزائريين أبوا أن يتخلوا على القوانين الشرعية الإسلامية في قضاياهم، وفي هذا
السياق أصرت إدارة الاحتلال تطبيق مخططاتها من خلال إلحاق العدالة الإسلامية
بوزارة العدل الفرنسية بموجب مرسوم 26 أوت 1881.[21]
وكأخر خطوة
استهدفت القضاء وليست الأخيرة، هي حظر القضاء الإسلامي في ميدان الأحوال الشخصية
والزواج والميراث وذلك وفق مرسوم 25 ماي 1892.[22]
ولم تتغير هذه
الحالة على طول عهد الاحتلال، بل تواصلت الممارسات الفرنسية في نفس هذا الاتجاه
الذي حدده الأميرال دي جيدون L’Amiral De Gueydon بقوله: "إن العدالة تدخل في إطار
السيادة، وعلى القاضي المسلم الإنحاء أمام القاضي الفرنسي، وعلى كل واحد أن يفهم أننا
الغالبون فلنعرف كيف نفرض إرادتنا...".[23]
أما عن موقف
الجزائريين إتجاه هذه السياسة الفرنسية ضد القضاء الإسلامي، فإنه لا مناص من التأكيد
على دفاع الجزائريين عن هذا المقوم، الذي يميز الشخصية الجزائرية عن غيرها، من
الذين وفدوا على الجزائر وراء عربة الاحتلال، وظهر هذا الدفاع خاصة من خلال
العرائض منها عريضة مدينة قسنطينة التي شنعت بظلم القضاء الفرنسي الذي كان يعري
جسم الجزائري إلى العظم ويمتص دمه إلى أخر قطرة.[24]
I. 2.2 سياسة التجهيل والفرنسة وطمس
اللغة العربية:
لقد
أدركت فرنسا الاستعمارية إدراكا عميقا بان اللغة العربية هي الرابطة بين ماضي الجزائر
المجيد وحاضرها الأغر ومستقبلها السعيد، فاللغة العربية هي لغة الدين والقومية
واللغة الوطنية المغروسة على حد تعبير الأمام عبد الحميد بن باديس، فلغة الآباء
والأجداد مخزن لكل ما للشعب من ذخائر الفكر والتقاليد والتاريخ والفلسفة والدين
فقلب الشعب ينبض في لغته، روحه تكمن في بقاء هذه اللغة.
فاللغة
العربية اعتبرتها فرنسا الصخرة الصلبة التي تتحطم أمامها كل المشروعات
الكولونيالية و مخططاتها الرامية إلى فرنسة الجزائر، ولهذا سعت بكل الوسائل إلى
القضاء على مقومات شخصيته المميزة، وإنتمائه اللغوي والحضاري والثقافي للأمة
العربية، وحتى ينسى الجزائري بمرور الزمن عروبته ودينه ويعوضهما باللغة والثقافة
الفرنسية، فينقطع عن تاريخه ويذوب في بوتقة الاستعمار الغاشم.و عليه فما هي
السياسة التي إتبعتها فرنسا للقضاء على المقومات الوطنية للجزائر؟.
وفي
سبيل تحقيق هذا الهدف إتبعت فرنسا سياسة واضحة الأهداف، تتمثل في التجهيل
والفرنسة، وقد كان الاستعمار يرى انه لا سبيل إلى فرنسة الجزائريين وتعليمهم أي
شيء إلى أن ينسوا كل شيء ويرجعوا إلى أميتهم.
أ.
سياسة
التجهيل:
لقد
إقتضت خطة التجهيل إغلاق المدارس الإسلامية حتى عمت الأمية الوطن الجزائري تقريبا
وكان شعارهم: "أن العدو الجاهل يمكن السيطرة عليه وإستغلاله بطريقة أفضل من
العدو المتعلم".[25]
فبدأت الروح
الصليبية في رسم الخطوط الكفيلـة بتحقيق غرضها والتمكين للإستعمـار، وكان طبيعيا أن
تتجه إلى المساجد التي تراها رمزا للإسلام، فبقاء اللغة العربية في الجزائر متوقف
على بقاء الإسـلام فيها.[26]
ولهذا نجد أن
فرنسا قد وضعت الإسلام واللغة العربية في كفة واحدة وصوب عينها، وحاربتهما منذ أن وطأت
أقدامها أرض الجزائر، رامية عرض الحائط كل إلتزاماتها مع الجزائريين.[27]
فاستهدافها
للأوقاف[28]
بالبدايات الأولى كان أول خطوة في طريق تنفيذ مشروعها، خاصة وأن الأوقاف كانت تقف
سدا منيعا في وجه الأمية بالجزائر، لذلك عمدت السلطات الفرنسية بعد توطيد أقدامها
في الجزائر إلى القضاء على مؤسساتها التعليمية والدينية.
حيث أصدر
الجنرال دي بورمون قرارا بتاريخ 08 سبتمبر 1830، والرامي إلى وضع الاستعمار يده
على الأوقاف الإسلامية ثم صدر قرار مكمل للأول من طرف قادة الاحتلال في 07 ديسمبر
1830، وينص على حرية التصرف في الأملاك
الدينية بالتأجير والكراء من طرف الفرنسيين. وقد رفض الجزائريون هذا القرار
التعسفي لأنه حرم مؤسساتهم الدينية والتعليمية من السند المالي الوحيد المساهم في
الحياة الثقافية.[29] وإعتبروه
خرقا صارخا للمعاهدة المبرمة بين فرنسا والجزائر، والتي بمقتضاها أعلن استسلام
الجبهة السياسية الجزائرية للاحتلال الفرنسي يوم 05 جويلية 1830. (انظر الملحق رقم
01).
وفي هذا الصدد
كتب عثمان بن حمدان خوجة[30]،
وثيقة تمثل عريضة أرسلها إلى الماريشال سولت دوق دودالماتي، تضمنت هذه الوثيقة
شكاوى ضد أفعال فرنسا التي ارتكبتها في الجزائر والتي أخلت في مجملها بمعاهدة
الاستسلام التي بقيت حبرا على ورق، ومما جاء فيها أن الدين المحمدي سيبقى معمولا
به تماما كما كان سابقا...
"وأن دين
هذا الشعب وممتلكاته وتجارته وصناعته ستبقى محترمة"، لكن الواقع كان غير ذلك تماما...".[31]
وفي
سياق سياسة التجهيل التي إنتهجها الاستعمار وكتمهيد لفرنسة الجزائريين قامت
باضطهاد المؤسسات الثقافية وتضييق الخناق عليها، فأغلقت الكثير من المدارس[32]
والزوايا ونفت المدرسين والطلبة وأحرقت المكتبات والمخطوطات التي تمثل تراث
الحضارة العربية الإسلامية،[33]
وأيضا لان اللغة المكتوبة هي كالاسمنت الذي يضمن تماسك الوحدة الوطنية وهي العروة
الوثقى التي صل بين الأحياء والأموات ويكتب بها سجل الأمم.[34]
ففرنسا
الغاشمة قد عز عليها أن يكون لهذه الأمة مقدسات أو مقومات حياة، لأنها بيتت قتلها وإفناءها،
ومسخ تاريخها لتظهر هي في صورة حاملة الحضارة لهذا الشعب البربري المتوحش.[35]
وما
إعتراف أحد زبانية الاحتلال إلا دليل على وحشية المستعمر، فقد أقر الجنرال De Lamorcière في ما حل بالجزائر قائلا:
"... حللنا بمدينة الجزائر فإتخذنا من المدارس مخازن وثكنات وإسطبلات وإستحوذنا
على أملاك المساجد والمدارس، وكنا نضمن أننا سنعلم الشعب العربي مبادئ الثورة
الفرنسية، ولكن مع الأسف فان المسلمين رأوا في ذلك ضربة للدين والعقيدة...".[36]
وقد قدم
المؤرخ الفرنسي الكسي دوتكفيل شهادة صريحة غير مشرفة عن مدعي المدنية في تقرير
كتبه عام 1847 قال فيه: "... لقد استحوذنا على جميع الموارد التي كانت مخصصة
لسد حاجات المعوزين، والتعليم العمومي... لقد هدمنا المؤسسات الخيرية وتركنا
المدارس تندثر... لقد انطفأت الأنوار من حولنا وتوقف إنتداب رجال الدين والقانون
ومعنى ذلك أننا صيرنا المجتمع الجزائري أكثر بؤسا وجهلا، مما كان عليه من
قبل".
وبالفعل
أثمرت جهود المستدمر فتقلص عدد المتعلمين بالعربية وارتفعت نسبة الأمية بين
الجزائريين إلى 95% بعد أن
كادت تنعدم قبيل الاحتلال بشهادة العدو نفسه، وفي شهادة العدو قوة.
فلجأت اللغة
العربية إلى الجبال وما يحيط بها من أماكن وعرة ونائية لتتخذ منها معاقل في
المساجد والزوايا حفاظا على وجودها واستمرارها.[37]
وعن واقع
التعليم في المساجد[38]
والزوايا في فترة الاحتلال صرح احد المستشرقين الذين زاروا الجزائر عام 1908
قائلا: "... إن المساجد والزوايا مقتصرة على تعليم القران الذي يحفظه التلميذ
عن ظهر قلب...".
بمعنى أن
التعليم اقتصر على حفظ القران دون تعلم الكتابة وتفسير القران، لان تفسير آيات
القران الكريم هي دعوة إلى جهاد الكفار وبالتالي هذا الأمر يشكل خطرا على فرنسا
المعتدية، وهو أمر عرفت فرنسا كيف تتحاشاه.[39]
ب.
سياسة الفرنسة
وطمس اللغة العربية:
بعد
نجاح خطة التجهيل، بدأت فرنسا بمخطط فرنسة الجزائر في جميع مجالات الحياة، باعتبار
أنها كانت توهم نفسها بأن الجزائر قطعة لا تتجزأ من التراب الفرنسي أرضا ولغة
وثقافة.[40]
وقد جاء في
احد التعليمات التي صدرت في أوائل عهد الاحتلال، عقب الشروع في تنظيم إدارة
الجزائر ما يلي:
"... إن إيالة
الجزائر لن تصبح حقيقة مملكة فرنسية إلا عندما تصبح لغتنا قومية، والعمل الجبار
الذي يترتب علينا انجازه هو السعي وراء نشر اللغة الفرنسية بين الأهالي إلى أن
تقوم مقام اللغة العربية الدارجة بينهم الآن...".[41]
وهكذا شرعت في
تطبيق هذه السياسة مبتدئة إياها بمجال التعليم، فاستعملت البندقية والمدرسة جنبا إلى
جنب لتكريس الاحتلال على ارض الجزائر الطاهرة.
فقد صرح الدوق
دومال قائلا: "بان فتح المدرسة وسط الأهالي أفضل من فيلق لإقرار السلم في
البلاد".[42]
ففي
سنة 1831 اقترح جونار Jounarl عضو المعهد الباريسي آنذاك تطبيق التعليم المتبادل الفرنسي العربي
بقصد التقريب بين العنصرين، وذلك لأجل إخفاء روح التعصب، فكان له ذلك سنة 1833،
فقد أسست فرنسا مدارس التعليم المشترك، وهي مدارس تعلم اللغة الفرنسية والكتابة
والحساب، وقد سمح للجزائريين بدخول هذه المدارس المتواجدة داخل تجمعات الأوربيين
من المستوطنين الغزاة، وبهدف خلق طبقة من المثقفين الجزائريين ثقافة أولية، للعمل
تحت سلطة فرنسا كموظفين وقضاة ومترجمين وذك لسد حاجتها، ولملء الفراغ الذي أحدثته
سياسة التجهيل والتدمير للمؤسسات الثقافية وتهجيرها لعلماء الجزائر غداة الاحتلال.
إلا
أن التقارير أشارت إلى إن التحاق الجزائريين بها كان ضئيلا،[43]
بسبب تخوفهم من التحول الديني، عدى طبقة القياد وأعوان الإدارة الفرنسية من
الجزائريين الخونة الذين أرغموا على بعث أبنائهم إلى المدارس الفرنسية بالداخل
والخارج حسب حمدان بن عثمان خوجة.[44]
وفي محاولة
ثانية، فتحت مؤسسات أخرى سميت بالمور الفرنسية Les Ecoles
Mouros Française
(1836-1850) بالعاصمة ووجدت خصيصا لتقريب الأهالي من سلطة الاحتلال.[45]
وهذا التعليم
شجع الازدواجية الثقافية العربية الفرنسية،[46]
أي انه تعليم يكون تحت إشراف معلم فرنسي وجزائري مسلم، إلا انه لقي معارضة جزائرية
كبيرة، عدى من أبناء طبقة معينة: القياد، الباشاغاوات، الإقطاعيين، التجار، كبار
الموظفين في الإدارة الفرنسية والمتعاملين معها.[47]
وسماح
الفرنسيين بتلقين الجزائريين اللغة العربية لكن بنسبة قليلة راجع إلى حاجته إلى إيجاد
طبقة من القضاة وأعوانهم والتراجمة اللازمة في الجيش الفرنسي والمحاكم والمكاتب
العربية.[48]
أما
سنة 1836 فقد أنشأت فرنسا مدرسة موجهة للأهالي، سميت بالمدرسة الحضرية الفرنسية في
مدينة الجزائر، وكانت تهدف إلى دمج الجزائريين بتعليمهم اللغة الفرنسية التي كان
يعلمها معلم فرنسي، وبقيت هي الوحيدة على المستوى الوطني حتى سنة 1850.[49]
وعن هذا
الموضوع كتب أحمد توفيق المدني قائلا:
"... كان
التعليم أيام الحكومة الفرنسية استعماريا بحتا، لا يعترف باللغة العربية ولا يقيم
لوجودها أي حساب، فاللغة الفرنسية هي وحدها لغة التدريس في جميع مراحل
التعليم".[50]
إن هذه
المدارس الفرنسية كانت تابعة لوزارة الحربية طبقا لمرسوم 1848، والذي لا يسمح بإنشاء
أية مدرسة أو مؤسسة ذات طابع تعليمي إلا برخصة إدارية،[51]
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني:
"بل كان
المقصد من هذه المدارس حسب إعتراف كبار رجال السياسة تقريب الجزائريين من فرنسا
بواسطة تعليمهم لغة الدولة المحتلة وآدابها وعلومها حتى يسهل إبتلاعهم وإدماجهم،
لذلك كانت اللغة العربية ولا تزال محجرة في كل المدارس الابتدائية الفرنسية، أما
في المدارس الثانوية والعليا فهي اختيارية كلغة أجنبية".[52]
ولتدعيم
سياسة الفرنسة على ارض الواقع قامت بتعيين المعلمين وفقا للقرار المؤرخ بتاريخ
11/07/1846، فقد احدث هذا القرار لجنة امتحان للمترشحين لوظيفة معلم ابتدائي في
الجزائر، وفي حالة القبول توزع عليهم شهادات كفاءة ولا تكون مقبولة إلا في
الجزائر.[53]
إن سياسة
فرنسا التعليمية بالجزائر، كانت تهدف إلى تعليم الجزائريين تعليما ابتدائيا ضحلا
يجعلهم أسهل اندماجا في فرنسا، فقد استطاعت أن تخرج من مدارسها جزائريين أشبه هم بالأميين
فهم لا يستطيعون تحرير رسالة إدارية بسيطة،[54]
لان تعليم فرنسا يقف عند حد المعرفة الأولية للغة الفرنسية والعلوم الأخـرى.
فسياسة
الفرنسة لم تكن لأجل انتشال الجزائريين من الجهل والأمية، بقدر ما كانت نكاية في
اللغة العربية وكيدا لها، لتنشئة أفراد المجتمع الجزائري على اللغة الفرنسية
وحدها،[55]
فتلك المدارس[56] التي
قامت ببنائها[57] هي
مدارس فرنسية قلبا وقالبا، كل ما كانت تعطيه هو الاعتناء باللغة الفرنسية والتاريخ
الفرنسي والحضارة الفرنسية على حد تعبير توفيق المدني.
أما اللغة
العربية فقد أهملت حتى في المدارس الابتدائية وأصبحت تتعامل معها على أنها لغة أجنبية
غريبة في عقر دارها.
هذا
الأمر دفع الجزائريين إلى مقاطعة هذه المدارس لان الجزائري كان يدرك أن الذي يفقد
لغته ينتهي به الأمر إلى الذوبان، وذلك لان اللغة هي القوة الطبيعية الأولى لأمة
ما، فهي صدى روحها وأصالتها، وهي لسان شخصيتها والمحافظة على تراثها والضامنة
لاستمرارها الروحي والرابطة بين أجيالها، لذلك نجدهم قد رفضوا كل ما هو فرنسي ولو
كان يخدم مصلحتهم.
وبعد هذا
الفشل المحقق من قبل الفرنسيين كان عليهم أن يغيروا الأسلوب، ويستخدموا منهاجا
اقرب إلى الواقع أي يولي أهمية للغة العربية، فظهرت مراسيم 30 سبتمبر 1850، والتي
أنشأت التعليم المزدوج المجاني في المدارس العربية الفرنسية[58]
في كل من الجزائر ووهران، عنابة، البليدة وقسنطينة.[59]
وقد
اقر هذا المرسوم في مادته الثانية مجانية التعليم وتقديم الدروس في القواعد والنحو
والقضاء والأدب بهدف استمالتهم وجعلهم تحت التصرف الفرنسي من جهة ومن جهة ثانية
جعل المدارس الإسلامية الحرة تندثر وتزول على حد تعبير احد المسؤولين الفرنسيين
سنة 1861،[60] وقد وصل
عددها سنة 1870 إلى 36 مدرسة في الجزائر، وبعد سقوط الإمبراطورية الثانية 1871 أغلقت
معظم المدارس، أما سنة 1883 اصدر مرسوم يقضي بإجبارية التعليم الابتدائي، وفي سنة
1892 اصدر الاحتلال مرسوما يقضي بعدم فتح مدارس عربية إلا برخصة من الحكومة ولا
يقبل فتحها إلا بعد التحري البوليسي.
الأساليب
الاستعمارية المنتهجة لتطبيق سياسة الفرنسة:
إن تطبيق
سياسة الفرنسة لم يقتصر على مجال التعليم ونما شمل عدة مجالات، وانتهجت السلطات الفرنسية
لذلك عدة أساليب نذكر منها:
·
منع استعمال
اللغة العربية في كل المجالات الرسمية من ذلك أن الوثائق المكتوبة بالعربية كانت
لا تقبل، ففي منطقة القبائل عمل كاميل سبانسي على تشجيع القبائليين على التخلي عن
اللغة العربية، واستخدام الفرنسية في كتابة الوثائق الإدارية والشخصية.[61]
·
أمرت سلطات
الاحتلال أعيان الجزائر الموالين لها ببعث أبنائهم إلى فرنسا ليتعلموا اللغة
الفرنسية، وكان الهدف من المطالبة بإرسال الأطفال إلى فرنسا هو تكوين نخبة من
الجزائريين الذين يعلمون باللغة الفرنسية بعيدين عن بيئتهم اللغوية والثقافية، وبعيدين
كل البعد عن ما يبعث في نفوسهم روح الوطنية وهنا تكون فرنسا قد كونت نخبة مفرنسة
من الجزائريين الذين سيكونون عضد فرنسا في الجزائر المستعمرة.[62]
·
إعطاء الوجه
الاجتماعي الجزائري صورة فرنسية، وهذا من خلال كتابة عناوين الرسائل بالفرنسية وإذا
كانت بالعربية ترد إلى أصحابها، بالإضافة إلى تغيير أسماء المدن والقرى والشوارع
والمحلات بأسماء قادة الغزو العسكري والفكري أمثال: بيجو، كلوزيل، لافيجري، روفيقو،
سانت أرنو، والأماكن العامة وإشارات المرور، حتى التوقيع على الوثائق لا يقبل إلا
باللغة الفرنسية.[63]
ويلخص لنا هذه
الأساليب في تقرير رسمي وضع سنة 1849 جاء فيه: "لا ننسى أن لغتنا هي اللغة
الحاكمة فان قضاءها المدني الجزائري والعقابي يصدر أحكامه على العرب الذين يقفون
في ساحته بهذه اللغة يجب أن تصدر بأعظم ما يمكن من السرعة جميع البلاغات الرسمية،
وبها يجب أن تكتب جميع العقود وليس لنا أن نتنازل عن حقوق لغتنا، فان أهم الأمور
التي يجب أن يعتني بها قبل كل شيء هو السعي وراء جعل اللغة الفرنسية دارجة عامة
بين الجزائريين الذين عقدنا العزم على استمالتهم إلينا وتمثيلهم بنا وإدماجهم فينا
وجعلهم فرنسيين".[64]
ت.
رد فعل الشعب
الجزائري من سياسة الفرنسة:
أما
عن ردود فعل الشعب الجزائري عن هذه السياسة الرامية إلى مسخ شخصيته، فقد كان
يرفضها ويقاومها مقاومة شديدة، فكل ما كان يأتيه من الاحتلال هو مرفوض ولو خدم
مصالحه.
وعن رفض
الجزائريين لسياسة الفرنسة تقول المؤرخة الفرنسية Yvonne Turin: "وبدا الصراع يوم بدأ
المحتل يفرض لسانه وتفكيره وأسلوبه في الحياة مستعملا المدرسة والمستشفى، المعلم
والطبيب، ورد المسلمون الهدية المسمومة لصاحبها الذي قضى حوالي عشرين سنة
(1830-1850) يحدث المدارس فلا يجد لها تلاميذ وينشئ المستشفيات فلا يتردد عليها
المرضى".[65]
إن
ما رامت إليه فرنسا لم يكن ليتحقق، وذلك بسبب الاختلاف والتناقض في العقيدة
الدينية والاختلاف الحضاري والثقافي، فبالرغم من سياسة فرنسا التعسفية وإغلاقها
للمدارس الإسلامية الحرة والخاصة، إلا أن الجزائريين أبوا أن يتركوا هذا المقوم
يضيع في متاهات الزمن.
فقد
كانت قلة من الجزائريين وعلى الرغم من قلتها إلا أنها كانت تدرس أبناءها خفية عن أعين
الاستعمار، فقد كانوا كمن يرتكب منكرا يعاقب عليه القانون، أما الغالبية العظمى من
الجزائريين فقد فضلت البقاء تحت رحمة الجهل المطبق على أن تدخل أبناءها تلك
المدارس الفرنسية.
وقد قام ابن بأديس
ليصرخ في وجه الاستعمار وليوجه نداءه إلى الأمة الجزائرية: "إن الجزائر لم
تكن فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا ولا تريد أن تكون فرنسا".[66]
وباختصار
فقد كان وضع اللغة العربية سيئا لدرجة كبيرة، وذلك راجع إلى محاربة فرنسا للثقافة
العربية واللغة العربية، وفي نفس الوقت قدمت ثقافتها في حدود ضيقة للغاية حتى يبقى
الجزائريون أسرى الجهل والأمية، فيتمكن من استغلالهم على أوسع نطاق بعد أن مسخ أهم
مقوماتهم الشخصية والتي هي الجسر الواصل بين الإسلام وبينهم.
I.
2 .3. سياسة
التجنيس والإدماج:
سعت
فرنسا إلى جعل الجزائر جزءا لا تتجرا منها، ولتحقيق هدفها سنت جملة من القوانين
والسياسات منها سياسة التجنيس والتفرنج والإدماج بغية سلخ الجزائريين وإنتزاعهم عن
دينهم ولغتهم وقوميتهم.
لقد أراد
نابليون الثالث في سياسته المشهورة بالمملكة العربية، أن يفتح أمام الجزائريين باب
المواطنة الفرنسية فأصدر في سنة 1865 قانون يحدد الوضع الجديد للجزائريين، فهم
يعتبرون جميعا رعايا فرنسيين يخضعون في الخارج لحماية قناصل فرنسا، أما في الداخل فإنهم
لا يتمتعون بنفس الحقوق الخاصة بالفرنسيين إلا بمقتضى التخلي عن أحوالهم الشخصية
ويتبعون القانون الفرنسي في الأحوا ل المدنية، لكن هذا المشروع لم يتحقق بعد مجيء
الجمهورية الثالثة وفي سنة 1887 قدم ميشلان
وكوتي النائبان لدى مجلس النواب الفرنسي، مشروع قانون تجنيس الجزائريين الذي لقي
قبولا حسنا لعدد كبير من النواب، إلا أن المعارضة كانت من جانب فرنسيي الجزائر.[67]
ويهدف هذا
المشروع إلى إدماج المسلمين جملة في الأمة الفرنسية وتمكينهم من التمتع بحقوق
السياسة والوصول إلى أعلى الدرجات في سلم المعارف الإنسانية عن طريق نشر التعليم.
وفي سنة 1890
طالب النائب مارتينو بمنح الحقوق الفرنسية للنخبة الجزائرية فقط كما طالب جوريس
سنة 1898 بإعطاء الجنسية الفرنسية للجزائريين مع الحفاظ على مقومات شخصيتهم الإسلامية
العربية، لكن هذا الطلب قابله الرأي العام الفرنسي بالرفض، لأنه لا يتماشى ومخططات
الاستعمار.[68]
أما عن الأهداف
الخفية لهذه السياسة فهي كالتالي:
1)
يعتبر تجنيس
الجزائريين وسيلة فعالة من وسائل الفرنسة اللغوية والثقافية.
2)
تجنيس
الجزائريين هو بمثابة سد منيع أمام أية محاولة من طرف الأهالي للمطالبة بالاستقلال
عن الدولة الفرنسية، فهو يبدو في ظاهره ذا فائدة كبيرة لهم لأنه يضع الجزائري على
قدم المساواة مع الفرنسي، في الحقوق والواجبات، لكن واقع الأمر غير ذلك تماما...[69]
3)
أرادت سلطات
الاحتلال إعطاء الجنسية الفرنسية للنخبة الجزائرية بغية أحداث جماعة منفصلة عن
الشعب تستخدمها كأداة لقهر أبناء جلدتهم.[70]
4)
إرغام
الجزائريين على الارتداد عن دينهم تدريجيا، فالدين الإسلامي كان هو العائق الذي
تمحورت نحوه كل المخططات الاستعمارية، فقد ربطت الإدارة الفرنسية منح الجنسية في
مقابل التخلي عن أحكام الشريعة الإسلامية وذلك في أحوال الشخصية، وقبولهم لأحكام
القانون المدني الفرنسي.[71]
5)
جعل
الجزائريين خاصة منهم الشباب يحتكون بالأوربيين، ونشر الميوعة والخلاعة المنافية للآداب
الإسلامية وإيهامهم بأنها مظهر من مظاهر الحضارة والتمدين.
رد فعل الشعب
الجزائري من سياسة التجنيس:
لقد
رفض الشعب الجزائري هذا القانون جملة وتفصيلا وذلك لما يبيته من مكر للدين الإسلامي
والهوية العربية فهو يهدف إلى إلغاء جميع الأطر والقوانين المؤطرة للمجتمع
الجزائري والمستمدة من صلب الشريعة الإسلامية.
استغل
الجزائريون فرصة مناقشة المجلس الوطني الفرنسي سنة 1887 لقانون التجنيس ورفعوا
عريضة وقعها حوالي 2000 من أعيان مدينة قسنطينة بتاريخ 10 جويلية 1887، وهذه
العريضة عبرت عن رفضها لفكرة التجنيس الجماعي بطريقة مهذبة ومناورة، فقد بينت استحالة
التلاؤم بين قانون الأحوال الشخصية للمسلم والقانون المدني، ضف إلى ذلك إشارتهم أن
وضع الجزائريين كأميين لا يؤهلهم للتمتع بحقوق المواطنة الفرنسية لأن ذلك سيسيء لا
محالة لها.[72]
بالإضافة
إلى تعبيره عن هذا الرفض في بعض الجرائد الوطنية منها جريدة الحق مما جاء فيها:
"فالرجل الذي يتنكر لحليب أمه لا يمكنه حب حليب امرأة أجنبية".[73]
وعليه فإننا
قد لاحظنا نفور الشعب الجزائري من الإقبال على التجنيس والإدماج وكان هذا ابرز
تعبير منه على الرفض المطلق للانضواء تحت سلطة المعمر وعدم إيمانه بفكرة الحصول
على الحقوق مقابل التخلي على مقوماته الوطنية ومن ناحية أخرى فان حرمان المسلمين
لمن يتجنس بالجنسية الفرنسية من الدفن في مقابر المسلمين ومن الصلاة عليه واعتباره
مرتدا عن الإسلام إضافة إلى عوامل إحجامهم عن طلب المواطنة الفرنسية عاملا جديدا.
وحتى
لو جنس الجزائريون فسيبقون في نظر الفرنسيين مجرد أهالي وفي هذا الصدد يقول احمد
توفيق المدني: "إن متجنسين لم يجدوا من فرنسا شعبا وإدارة ما كانوا يرجونه من
وراء تجنسهم، فالمتجنس كان بإستمرار في عين الفرنسي، بنفس منزلة الجزائري الأهلي
فكان لا يتمتع بالحقوق الفرنسية إلا بالقدر القليل".
والجدول الذي بين أيدينا يمثل بكل وضوح العدد القليل من
الجزائريين الذين طلبوا التجنس، وهي نسبة قليلة جدا لا تكاد تذكر مقارنة مع عدد
الجزائريين الذين قدروا في بداية القرن العشرين بنحو 4.5 مليون جزائري.[74]
السنوات
|
عدد طلبات التجنس
|
المتجنسين
|
ملاحظات
|
|
الحاضرين
|
المرفوضين
|
|||
1899
|
31
|
10
|
21
|
|
1900
|
49
|
30
|
19
|
امرأة متجنسة
|
1901
|
36
|
22
|
14
|
|
1902
|
47
|
17
|
30
|
|
1903
|
61
|
23
|
28
|
|
1904
|
57
|
18
|
39
|
02
|
1905
|
51
|
18
|
33
|
02
|
1906
|
63
|
22
|
41
|
08
|
1907
|
65
|
26
|
39
|
05
|
1908
|
55
|
08
|
47
|
11
|
1909
|
36
|
20
|
16
|
03
|
المجموع
|
551
|
214
|
337
|
32 إناث 305 ذكور
|
I.
3. التجنيد الإجباري ودوره في بروز النهضة الجزائرية:
بعد
أن استغل الاستعمار الفرنسي ممتلكات الشعب الجزائري أبشع استغلال، فصادر أراضيه
وجرده من ابسط الملكيات، لجا إلى أسلوب آخر، وهو وضعه في الصفوف الأمامية لجيشه
كدرع واق، يحميه من وصول ضربات العدو إليه، فموت الجزائري يعتبر اقل خسارة من موت
الفرنسي على حد تعبيرهم.
إن
فكرة تجنيد الشعب الجزائري في صفوف الجيش الفرنسي لم تكن وليدة تداعيات الحرب
العالمية الأولى، فهي لا تعود إلى سنة 1907،[75]
وهي السنة التي انطلقت فيها مناقشات قضية التجنيد، وإنما تعود إلى سنوات سابقة لهذا
التاريخ، إلى أن تم صدوره كقانون قابل للتطبيق سنة 1912.[76]
ففي عهد
الجمهورية الثالثة (1848-1851) كان عدد القناصين الجزائريين المجندين في صفوف
الجيش الفرنسي حوالي 7000 مسلم جزائري، لكن ليس إجباريا وإنما تطوعا ومن باب
الاسترزاق[77] لا
غير والحصول إلى بعض المنافع.[78]
وقد عرض على
وزير الحربية الفرنسي سنة 1855 إنشاء جيش قوامه 70 ألف من المسلمين لكن رفض العرض
لغياب سجلات الحالة المدنية بالنسبة للجزائريين، أما سنة 1857 فقد قدم الجنرال Estershozy مشروعا
يقضي باختيار من كل قبيلة عددا محددا من القناصين ويتم تجنيدهم بالقوة أن هم عصوا الأمر.[79]
وفي سنة 1859
عرض الجنرال Montanban مشروعه القاضي بإنشاء جيش فرنسي من المسلمين قوامه 30 ألف لكن
المشروع رفضه وقتلت فكرته، لان الفرنسيين رأوا بان تشكيل هذا الجيش من المسلمين
سيكون ضرره أكثر من نفعه على فرنسا.
وقد سمح
للجزائريين بالخدمة في الجيش الفرنسي كمتطوعين مع إمكانية تجديد الخدمة استنادا إلى
مرسوم 21 أفريل 1866.[80]
إن تصريح
الماريشال ماكماهون سنة 1869 بان الوقت لم يحن بعد لتجنيد الأهالي، وأطلق على نفسه
وعدا بان التجنيد سيحصل يوما ما... هي الذي أجل قضية التجنيد للسنوات اللاحقة، ضف إلى
ذلك أن فرنسا كانت تعيش فترة حرجة إقليميا، وهذا ما دفعها إلى غض النظر المؤقت عن
فكرة تجنيد الأهالي.[81]
وفيما
بين 1881- 1882 أثيرت مسالة التجنيد من جديد ففكر البعض في إنشاء جيش كبير لإفريقيا
الشمالية، بحيث يتميز هذا الجيش بالاستمرارية والديمومة، وفي هذه الفترة ظهرت
مشاريع أخرى تقضي بتكوين جيش قوامه 200 ألف إلى 300 ألف من الشعب، ودعم هذا
المشروع بحماية سياسية قادتها الصحافة،[82]
حيث صرحت جريدة Le Temps بأٍن التجنيد سيعطي للجزائريين حقوق المواطنة الفرنسية والمساواة
في الضرائب بالإضافة إلى التمثيل النيابي.
وأثناء مناقشة
الجيش سنة 1889 أعلن أعضاء البرلمان بقيادة Tomson وEtienne عن تأييدهم لقضية التجنيد مع إعطائهم
منح مقابل الخدمة العسكرية ولكن يتم الاحتفاظ بهم في الجزائر.[83]
ولقد
رأى الإستدمار الفرنسي التجنيد الوسيلة المثلى لدمج الأهالي والسيطرة عليهم وفي
هذا الصدد نشرت جريدة Le Temps في أفريل سنة 1903، دراسة للكابتن Passols حول الخدمة العسكرية بعنوان
"أفضل السبل لدمج الأهالي"، واقترح تجنيد الشباب من 18 إلى 21 سنة، أما
بالنسبة للتعويضات فقد اقترح الجنرال Passols بأن المتخرجين من الأهالي يكون
لهم الحق في التجنس مع المحافظة على شرائعهم، ولكن دون الحصول على حق الانتخاب،
ويبقى هؤلاء كإحتياطيين من تاريخ التخرج.[84]
إن
هذه الدراسة وأمثالها تسعى إلى سلخ الشباب الجزائري عن دينهم ولغتهم وعاداتهم،
وجعل هذه الفئة تغترب من الحارة والعقلية الأوربية ومن ثم تصبح معارضا محليا للشعب
الجزائري، أما بالنسبة لحق التجنس فهو السراب الذي تستدرج به هؤلاء الشباب، ولا
فكيف يكون التجنس دون الحصول على حق الانتخاب؟
وفي
أكتوبر 1908 ناقشت الوزارة مشروع مرسوم الكولونيل Redier المستوحى من نتائج عمل لجنة
التحقيق في 15 سبتمبر 1908، وقد جاء في مادتها 39 أن المجند المتخرج من الخدمة
العسكرية لا يخضع لقانون الأهالي ولا لقضاء المحاكم الردعية، ولقد رفض مدير قضايا الأهالي
Lucien هذا المشروع قائلا: "هذا المشروع يتضمن العديد من الأحكام
المنتقدة والتغييرات الخطيرة فمن الضروري رده كلية...".[85]
تصريح ميسمي
فيه الكثير من التخوف، وهو تخوف شمل جميع الفرنسيين، فقد رأوا في الفئة المجندة
خطرا على فرنسا في حروبها إذ يمكن أن يتعاملوا مع أعدائها، وأكثر من ذلك إعتبروا أن
الجزائريين المجندين يشكلون خطرا على التواجد الفرنسي في الجزائر والمغرب العربي بأكمله.[86]
وذهبت في هذا
الصدد المجلة الإفريقية واعتبرت أن قانون التجنيد الإجباري إجراء سابق لأوانه وانه
من الخطير تطبيقه في الظروف الجارية خلال تلك الحقبة.[87]
غير أنه ما
تلبث فرنسا أن غيرت رأيها بعد أربع سنوات أي في سنة 1912 وهذا يعود في نظرنا إلى
العوامل التالية:
أولا: الإحساس
الشديد بالخطر بعد الظهور الواضح لإرهاصات الحرب العالمية الأولى، ففرنسا كانت
تحتاج إلى قوة إضافية لرفع عدد جنودها خاصة وان فرنسا كانت تعرف ببلاد الابن
الواحد، وهذا ما اثر على القدرة البشرية للجيش الفرنسي، ضف إلى ذلك توسع
مستعمراتها وبالتالي تشتت جيشها وانقساماتها في عدة مناطق خارج فرنسا.
ثانيا: إبعاد
فئة الشباب عن تغذية وتطعيم الثورات الشعبية، واستعمالهم كرهائن في حالة الثورة
حسب تقرير الجنرال مارتمبري سنة 1864.
ثالثا:
استمالة وتدجين جيل من الجزائريين إلى السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، وسلخ
هذه الفئة عن مقوماتها الوطنية، ومن ثم تصبح معارضة محلية للشعب الجزائري، بحيث
يتصارع الجزائري المفرنس مع الجزائري المتأصل، وهذا ما عبرت عنه إحدى المقالات
بقولها: "إن الأهالي لما يمضي فترة تجنيده في فرنسا سيرجع إلى محيطه
الاجتماعي بعد إن يصبح نوعا ما من البرجوازية، مقوما ومعارضا لكل حركة تقلق سكينته
وراحته".[88]
بمعنى
أن الجزائري العائد من فرنسا سيكون ضمانا لها بمقاومة كل حركة أو تمرد أو عصيان،
قد يضر ذلك الجزائري، ومن ثم يتكفل هو بردع الثورة قبل أن تتدخل فرنسا، وبالتالي
الاستعمار يسعى لضرب الجزائري بأخيه الجزائري، فياله من مشروع خطير...
إن
هذا التدرج في إصدار قانون التجنيد الإجباري يوضح لنا كيف أن الفرنسيين والمنظومة
الكولونيالية لا تتبنى الإجراءات والقوانين جزافا، وإنما بعد تفكير عميق ووزن
للمسائل طويل ومعقد.
والتاريخ أبرز
لنا حقيقة مفادها أن تمكن فرنسا من إجتياز محنة الحرب العالمية الأولى كان بسيرها
على جثث الجزائريين المجندين في الثغور.[89]
*رد فعل الشعب
الجزائري من التجنيد الإجباري 1912:
إن
سن قانون التجنيد الإجباري تجاه الشعب الجزائري، قد أدى بطبيعة الحال إلى استياء
شديد عم سائر الطبقات الإسلامية الجزائرية، وذلك لان هذا القانون لا يراعي مشاعرهم
الدينية، فهم كمسلمين لا يمكن أن يكونوا ملزمين بان يعملوا تحت علم فرنسا التي
ستأخذهم لمحاربة إخوانهم في الدين بالمغرب.
ولقد
أثارت هذه المسالة أزمة ضمير حقيقية لدى الشعب الجزائري، إذ كيف يستساغ دينيا
ووطنيا قبول الخدمة في صفوف قوات أجنبية ليست مسلمة وهي الخدمة التي تؤدي بالمجند إلى
أن يقتل في سبيل ماذا؟ ولأجل من يقتل؟ من اجل قضية لم تكن قضيتهم ولا تعنيهم في
شيء.
هذه
الاستفسارات والتساؤلات التي كانت تعكس حالة القلق الشديد التي كان الناس عليها في
ذلك الوقت، وفي وسط هذه الحيرة اخذ علماء الدين أو بالأحرى رجال الزوايا يحذرون من
خطر هذا التصرف الذي يمس المسلم في معتقده.[90]
لهذا
كانت طبيعة التجنيد الإجباري متناقضة تماما، فكيف يطبق الجزائري "واجب
التجنيد" على من ليس له حقوق، ولو أن حق الجنسية الفرنسية المقترن بتخلي
الجزائري عن أحواله الشخصية كمسلم أعطى للجزائريين، استنادا للقانون الصادر عن
مجلس الشيوخ بتاريخ 1865.
فلهذا القانون
قد اعتبر الجزائريين رعايا في بلدهم لا مواطنين على أساس أن الجنسية الفرنسية لا
تتناسب مع حالة الجزائري المسلم.[91]
إن
الجزائري فعلا كان يعيش كرعية تحت سلطة الإستدمار الفرنسي، ولكن حتى حق الرعية كان
كثيرا عليه، فهو رعية من نوع خاص يعيش تحت إجراءات استثنائية وقوانين تعسفية صارمة،
من قانون للأهالي والمحاكم الرادعة وغيرهما كثير.
فهذه الإجراءات
التعسفية وقانون التجنيد الإجباري قد أديا إلى هيجان اجتماعي وخلقا ضميرا مشتركا
جديدا بين الجماهير.[92]
وبالإضافة
إلى هذه التناقضات نجد أن الجزائري المسلم المجند في صفوف العدو سيترك عائلته
ووالديه في فترة حرجة من فترات إكمال شخصيته، وفي هذا خطر عليه فمن يضمن انه
سيتصرف وفقا لما تفرضه عليه الأخلاق الإسلامية.
وهذا ما رفضه
الجزائريون حتى أن بعض العامة قال: "بان فرنسا إذا كانت قد أخذت منا أموالنا
فلن تستطيع أن تأخذ منا أبناءنا".
* عبر الشعب
الجزائري عن هذا الرفض بصور مختلفة منها:
- الهجرة :
في نهاية
التسعينات من القرن التاسع عشر عندما أثيرت قضية التجنيد ازدادت وتيرتها بعد ذلك
لم يجد الجزائريون من مخرج لوضعيتهم سوى مخرج الهجرة، وقد وصف الكاتب الفرنسي
فيكتور ديموتي هجرة الجزائريين بأنها: "الهلع الحقيقي، انه يوشك أن يكون
وباءا أخلاقيا"، فهذا الكاتب صدمته هجرة الجزائريين سنة 1911، وقد حدث هذا
الوباء الأخلاقي أثناء صراع عنيف ضد التجنيد الإجباري الذي عارضه الجزائريون معارضة
شديدة".[93]
غالبا ما
تقترن اكبر المعجزات الجزائرية إلى المشرق بالتجنيد الإجباري،[94]
ففي سنة 1911 غادرت ما يقارب 1200 عائلة من مدينة تلمسان نحو بلاد الشام، بعد أن
باعوا ممتلكاتهم الشخصية أو تركوها وذهبوا يناشدون ملجأ لهم في الخارج، لكن هذا لا
ينفي عدم وجود هجرات سابقة لهذه الفترة، وإنما توقيتها هذا من القانون الإجباري
للتجنيد والعدد الهائل من العائلات وليس الأفراد المهاجرين هو الذي استقطب اهتمام
الفرنسيين وأثار فيهم الرعب والهلع.[95]
- المظاهرات:
التلقائية
والجماعية، ففي سنة 1908 اجتمع نحو 3000 جزائري بنواحي روفيقو، وكانت هذه المظاهرة
سلمية، طالبت بسحب وعدم المصادقة على القانون.
لكن عندما تم
تثبيت قانون التجنيد الإجباري سنة 1912 تحولت المظاهرات إلى شغب في الشوارع وصدامات
مع الشرطة، كما حدث في المدية عندما رجم حاكم المدية بالحجارة.
بالإضافة إلى
فرار العديد من الشباب الجزائري نحو الجبال ،ونحو المناطق المقفرة والبعيدة عن أعين
الاستعمار، وقيام عدة انتفاضات منها انتفاضة 1916 بعين بسام.[96]
- العرائض:
لقد قدم
الجزائريون عدة عرائض إلى الحكومة الفرنسية ليبينوا موقفهم ضد التجنيد الإجباري،
وقدموا مطالب للسلطات الفرنسية بالجزائر مقابل قيامهم بالخدمة العسكرية الإجبارية
محاولين ربح ورقة التجنيد للحصول على بعض الحقوق المستلبة.
ومن
أشهر هذه العرائض نجد عريضة سكان تلمسان في 07 أفريل 1891[97]،
وعريضة سكان المدية في 14 ديسمبر 1911، والتي دعا فيها النواب المشرفين أعضاء
الهيئة التشريعية بباريس إعفاء الجزائريين من الخدمة لأسباب دينية أوجزها سكان
المدية في منع الدين مقاتلة المسلم لأخيه المسلم -العثمانيين والمغاربة-. (انظر الملحق رقم
06).
أمر
آخر وهو مخافة تضييع الواجبات الدينية، اضطرارا من طرف الشباب الجزائري المجند،
وقد تطرقت أيضا إلى جملة من المطالب والتي هي في الأصل مظالم استعمارية مرتبطة
بالدين والأموال والأشخاص، وقد استشهدت العريضة ببيان ديبورمون 1830، وهو البيان
الذي حرصت الحكومة الفرنسية فيه على تبيين أنها تحترم الدين والتقاليد وحملت
العريضة توقيع 340 شخصية.[98]
هذا بالنسبة
لرد الفعل الشعبوي، أما عن رد فعل أعوان فرنسا من الجزائريين كالقياد، فبطبيعة
الحال رأت هذه الفئة الفرصة مناسبة للتقرب أكثر من فرنسا، فقدموا أبناءهم كرمز
للطاعة والولاء وقد استفادت فرنسا من هذا العنصر الشاذ والمقيت من الجزائريين في
تعبئة إخوانهم معنويا وإغرائهم خاصة عنصر الفلاحين الذين يتميزون بسذاجة التفكير
وتزاوجه بالفقر المدقع.
وقد صرح احد
القياد قائلا: "نحن أبناء فرنسا مستعدون للموت من اجلها عندما تأمرنا"،
وقد حرصت السلطات على نشر هذه التصريحات لأنها تخدم مصالحها، ومن القياد من جند
نفسه شخصيا كقايد أولاد شموخ بتبسة، وأغا الجلفة، وقائد علوانة الذي ثلاثة من أعضاء
أسرته.[99]
ما
نستنتجه هو أن العرائض في تلك الفترة تعتبر أهم مظهر للتحدي السياسي ضد السلطات
الفرنسية، فتحت حماس النهضة تحدى الجزائريون فرنسا خاصة ما بين 1906 – 1912، على
عدة جبهات، وطالبوا من خلال العرائض بحقوقهم السياسية، وبالتمثيل النيابي الجاد،
والمساواة في الضرائب وأرباح الميزانية، ونادوا بإنهاء النظام الإقطاعي
والاستعماري، وبتوفير برنامج كاف للتعليم وإلغاء القوانين الاستثنائية المجحفة والإبقاء
على الشخصية الوطنية الجزائرية.[100]
*رد فعل
النخبة الجزائرية وكتابة المحافظين حول التجنيد الإجباري 1912:
لقد
عارضت كتلة المحافظين قانون التجنيد الإجباري، واعتبرته استبدادا جديدا وظلما
مجحفا في حق الشعب الجزائري المنهك القوى من جراء السياسة التعسفية الاستعمارية
تجاهه، واستمرت هذه الكتلة في المعارضة، ولو رضيت فرنسا بتعويضهم بحقوق سياسية.[101]
وقد استعملوا
في ذلك عدة وسائل وأساليب حديثة وهي نفس الأساليب التي كان يستعملها المستعمر
بمفرده والتي كان يوجه من خلالها الرأي العام الداخلي والفرنسي والعالمي.
فعن طريق
الصحافة،[102]
وجدناهم يعارضون مبدأ التجنيد ويعتبرونه خرقا لمعاهدة 05 جويلية 1830، ويشنون من
ناحية ثانية بالمعاملات المجحفة التي يلاقيها المجندون الجزائريون، مع أنهم كانوا
يقومون بنفس المهام التي يقوم بها المجند الفرنسي، بل كانوا يطالبون بتحسين وضعهم
كجنود[103]
ماداموا يدفعون نفس الثمن الذي يدفعه الفرنسيون، وماداموا يموتون من اجل الوطن
الفرنسي كما تدعي الإدارة الفرنسية، وإلى جانب التشنيع بانعدام المساواة في
التجنيد وفي المعاملات فان الصحافة الوطنية شهرت بالجامدين والمتخاذلين ودعاة
التجنس والاندماج والذوبان.[104]
أما أعضاء
النخبة المثقفة ثقافة فرنسية من الجزائريين فقد اندهشوا من إقدام فرنسا على فرض
الخدمة العسكرية بدون إعطاء الحقوق السياسية التي تصحب عادة الواجب العسكري ورأوا
بان التجنيد عمل يستحقون عليه أجرا عظيما.
وفي غمرة هذا
الاندهاش سارعوا إلى إصدار احتجاجات عن طريق حركة الشبان الجزائريين،* وبدأت تعبر
عما يتلجلج في نفسها، وأخذت زمام المبادرة يوم 20 جوان 1912[105]،
فتجدهم يدخلون المعركة بسرعة وبأسلوب أخر استنبطوه من الأفكار الأوربية، فبدؤوا
العمل بهذا الأسلوب السياسي بإرسال وفد جزائري إلى باريس، يحمل عريضة لمطالب
المسلمين الجزائريين،* اهتمت هذه العريضة خاصة بالمسائل السياسة والعسكرية، وقد
جاء فيها على الخصوص المطالبة بتخفيف الخدمة العسكرية ومراعاة بلوغ الشاب الجزائري
سن الرشد، وزيادة تمثيل الجزائريين في الجمعيات المنتخبة والتوزيع العادل
للميزانية بين مختلف عناصر العب الجزائري، وإلغاء الضرائب المفروضة على المسلمين،
لكن مطالبهم قابلتها السلطات الاستعمارية بالرفض المطلق.[106]
*رد فعل دول
المشرق الإسلامي من التجنيد الإجباري 1912:
لقد
ظهرت في مقابل فرض فرنسا للتجنيد الإجباري للشعب الجزائري، حركة إسلامية شاملة في
المشرق، كان هدفها الثورة على الاستعمار والدعوة إلى قوة الإسلام بالعودة إلى أصوله
الأولى، ولهذه الدعوة الأثر البالغ في الرد السلبي للجزائريين اتجاه التجنيد الإجباري.
فبعد
صدور القانون تحركت تركيا لإثارة الجزائريين على الحلفاء، حيث أعلن السلطان
العثماني بصفته الخليفة والأمام الأعظم يوم 14 نوفمبر 1914 ومن مسجد الفاتح
بالقسطنطينية بان تركيا وهي دولة إسلامية ومقر الخلافة تحارب دولا نصرانية ترمي إلى
تدمير تركية وبالتالي فالأماكن المقدسة في خطر داهم وعليه فانه يستوجب على كل
المؤمنين أن ينضموا تحت راية الدين.
وشرعت الحكومة
العثمانية في نشر هذه الفتوى وتوزيعها في كامل أنحاء العالم الإسلامي، وعلى الرغم
من أن هذه الدعوى كانت متناقضة، حيث أن تركيا نفسها كانت متحالفة مع دولة نصرانية
(ألمانيا)، إلا أنها ساهمت بقدر كبير في إشعار الجزائريين بانتمائهم للدين الإسلامي،
وغرست في نفوسهم الكره الشديد لفرنسا وباعتبارها دخيلة تعمل على كسر أواصر المجتمع
الجزائري.[107]
ويعتبر
اوكتاف ديبون شانه شان المؤرخين الفرنسيين بان العثمانيين كان لهم دور هام في تمرد
الجزائريين على السلطات الفرنسية في أكثر من مقام، إذ يعتبر العثمانيون وسياستهم
المناوأة لفرنسا من أهم أسباب قيام ثورة الأوراس 1916، والتي جاءت كرد فعل ضد
قانون التجنيد الإجباري.[108]
ويؤكد الكاتب
نفسه بان الجزائريين في وادي ميزاب كانوا أكثر الناس تأثرا بالدعاية[109]
العثمانية، أما باقي الوطن فقد كانت اقل تأثرا ولكنها خلقت جوا من الاطمئنان
للسلطات الفرنسية.
ولذلك اتخذت
فرنسا إجراءات رادعة محاولة منع الجزائريين من معرفة إعلان الجهاد بعدة طرق أهمها:
منعهم من أداء فريضة الحج السنوية، فقد كانت تخشى إن يقع كل الجزائريين تحت تأثير
الدعاية العثمانية والألمانية، إذا هي سمحت لهم بأداء فريضة الحج، ولهذا السبب
بعثت فرنسا أكثرية الشباب المجند المسلم إلى أوربا بدل المغرب الأقصى.[110]
وبالرغم
من معارضة الجزائريين لهذا القانون، ونقص نسبة المتطوعين من الجزائريين في الجيش
الفرنسي، وصرخات النخبة المطالبة بالحقوق السياسية مقابل قبول الخدمة، إلا أن
فرنسا استمرت في تنفيذ خطتها، لكن بعدما ازداد الضغط الشعبي عليها، قررت الحكومة
الفرنسية أن تستجيب لبعض المطالب فأصدرت قرارا بتاريخ 19 سبتمبر 1912[111]
يحتوي على بعض الإجراءات التي تستهدف تهدئة الجزائريين المتأثرين بقانون التجنيد الإجباري،
والذين كانوا أما محتجين أو مهاجرين أو مختفين.
ولقد وعدت الإجراءات
الجديدة الجزائريين المجندين بمعاملة أفضل في المستقبل، وهكذا نص قرار سبتمبر على أن
أولئك المجندين:
1)
لن يخضعوا
لقانون الأهالي ولا لغيره من القوانين الاستثنائية بعد تسريحهم من الخدمة
العسكرية.
2)
إذا ارتكبوا
جرائم فسوف يعاقبون ويحاكمون أمام محاكم القانون العام بدلا من المحاكم الرادعة.
3)
بناءا على
طلبهم قد يؤذن لهم بعد التسريح من الخدمة العسكرية أن يشاركوا في انتخابات المجالس
البلدية.
4)
بعد أن ينهوا
ثلاث سنوات في الخدمة العسكرية ستكون لهم فرصة الوظيفة، ولكن لن يكون ذلك إلا بعد أن
يبرهنوا على استعداد جيد للعمل.[112]
كما
أصدر مرسوم آخر بتاريخ 13 جانفي 1914 ينص على رفع عدد المستشارين العامين المسلمين
في البلديات من ¼ إلى 1/3، وقد ارتفع عدد المستشارين العامين الجزائريين من 6 أعضاء
إلى 10[113] وفي
نفس العام أصدرت فرنسا قرارا عابت به بعض مظاهر قانون الأهالي، ولكن الضرائب
الخاصة بالجزائريين ونظام السفر والمحاكم الرادعة بقيت على حالها.[114]
وأخيرا
نستنتج بأن التجنيد الإجباري بقدر ما كان نقمة على الجزائريين، إلا أنه إستطاع أن
يحرك سكونهم ويخرج مكبوتاتهم ،بأسلوب العنف العفوي تارة وتارة أخرى بالطرق السلمية
السياسية المعاصرة.
II.
العوامل
الخارجية لبروز النهضة الخارجية:
II. 1. صدى الجامعة الإسلامية:
الجامعة
الإسلامية يمكن تعريفها بأنها حركة تدعو إلى تضامن المسلمين من اجل تحقيق الوحدة
والقوة بينهم في وجه التوسع الأوربي، والتي تقوم على الأسس والمبادئ التالية: وحدة
العقيدة ووحدة اللغة ووحدة الثقافة، أما وسائلها فتقوم على الإصلاح الديني
والاجتماعي والسياسي، ومن الشائع أن هذه الحركة قد بدأت في الربع الأخير من القرن
التاسع عشر ومن روادها الأوائل: الأفغاني[115]،
الكواكبي[116]
ومحمد عبده[117].
وتواصل
العمل إلى الدعوة للجامعة الإسلامية مجموعة من المفكرين والأدباء مثلوا الجيل
الثاني لها نذكر منهم: محمد رشيد رضا (1865-1935)، شكيب ارسلان[118]،
أما في الجزائر فتمثلت في عمر بن قدور الجزائري، وابن باديس (1889-1940)، أما على
المستوى الرسمي فان عبد الحميد الثاني، سلطات الدولة العثمانية هو الذي تبنى حركة
الجامعة الإسلامية، وان الهدف الرئيسي للجامعة الإسلامية هي وحدة المسلمين تحت
خلافة قوية.[119]
و أن
الاعتقاد الشائع من أن الجامعة الإسلامية قد ظهرت في الشرق الأردني في آخر القرن
التاسع عشر، إلا أن هذا الاعتقاد احتاج إلى مراجعة، وخاصة نجد أن المؤرخين قد
اختلفوا في التحديد الحقيقي لميلاد فكرة الجامعة الإسلامية، ويعود هذا الاختلاف إلى
زاوية نظر كل باحث لموضوع الجامعة الإسلامية، فنجد أن بعض الكتب التاريخية دونت
فكرة أن الجامعة الإسلامية ذات مصدر أوربي أنجلو سكسوني، بمعنى تقليد المسلمين
للفكر الغربي في المجال الوحدوي وتأثرها على حد زعمهم بالجامعة السلافية،[120]
والجامعة الجرمانية[121]،
والجامعة الانجلو سكسونية[122].
ويرجع
البعض الآخر أن البدايات الأولى لتحركات المبكرة في طريق الجامعة الإسلامية تبدأ
في محاولة الدولة العثمانية تأسيس قيادة إسلامية عالمية،[123]
اثر الحروب التي خاضتها ضد روسيا القيصرية على عهد كاتريف ثانية (1729-1736) والتي
انتهت بعقد معاهدة كوجرك قنارجي 1774.
بينما يرى
البعض الآخر بان الإرهاصات الأولى لظهور فكرة الجامعة الإسلامية تعود إلى احتلال
الجزائر من طرف الاستعمار الفرنسي وبالتالي فان فكرة الجامعة الإسلامية فكرة
جزائرية، ولرائدها السياسي حمدان بن عثمان خوجة لأنه أول من نادى بالتضامن الإسلامي،
وأول من نادى بالتفاهم بين الحضارتين الإسلامية الغربية.[124]
بينما أرجعها
البعض الآخر إلى أواخر العقد الرابع من القرن التاسع عشر، في كل من مصر وسوريا على
عهد محمد علي باشا، الذي بدا الوعي القومي مبكرا نظرا النهضة الأدبية والعلمية،[125]
حيث نلاحظ هنا بداية التبلور العلمي والثقافي في الفكرة للجامعة الإسلامية، ويجمع
اغلب المؤرخون على أن الجامعة الإسلامية في شقها السياسي بدأت منذ النصف الثاني من
القرن التاسع عشر، وكان ذلك ردا على الغزو العسكري والثقافي للعالم الإسلامي.[126]
ومن
أهم ما جاءت به الجامعة الإسلامية هي الدعوة إلى الإلحاح الديني حيث نجد أن رواد
الجامعة قد اتفقوا على أن التجديد الديني أصبح أمرا حتميا وذلك لإصلاح العقول
والنفوس.
ويتم ذلك:
"بإثبات قيمة الدين وضرورته للإنسان وأثره في رقيه واثر الإلحاف في
انحطاطه"،[127]
حيث نادى الأفغاني
الأمة الإسلامية عامة والشرق خاصة أن: "ينهض بثقافته وعلمه وتربيته وصفاء
دينه وتنقية عقيدته من الخرافات وأخلاقه مما تراكم عليه واستعادة عزته ومكانته.[128]
وطالب محمد
عبده بتحرير الفكر الإسلامي من مهزلة التقليد الأعمى، وطالب بالفهم الصحيح للدين
على ما كان عليه قبل ظهور الخلاف والرجوع في دراسته إلى منابعه الأولى على أن يكون
هذا الدين الصافي صديق العلم لان الإسلام دين علم وتقدم.[129]
وان أهم غرض
يسعى إليه المصلحون هو تصحيح العقيدة حتى تستقيم أحوال المسلمين فيهتدون إلى
العلوم الحقيقية النافعة، وتتهذب أخلاقهم ويسعدون في دنياهم وأخرتهم.
أما
بالنسبة للإصلاح الثقافي والاجتماعي فلقد تحسر دعاة الجامعة الإسلامية لما وصلت إليه
الحالة الاجتماعية المتردية للمسلمين، ولذلك يرى الأفغاني بان هناك دعامتان للهيئة
الاجتماعية (الرجل والمرأة)، وإذا ارتقى احدهما وجب أن يرتقي الآخر،[130]
وكذا الأمر بالنسبة لمحمد عبده، حيث نادى بتحرير المرأة تحريرا علميا وعمليا، من
كل النقائص والأوهام كالجهل الذي حل بأهم خلية في المجتمع وهي الأسرة، ودعا رواد
الجامعة بتعليم المرأة ولترقية الأسرة وبالتالي الاهتمام بالتربية والتعليم الذي
يقوم سلوك الأسرة.
ولذلك
نجد أن دعاة الجامعة الإسلامية كان اهتمامهم كبيرا بالتربية الصحيحة التي تساهم في
تكوين الإنسان المواظب لعمله والغير مستسلم للمتاعب، كما نادى هؤلاء المصلحين
بتطوير التعليم التقليدي وذلك: "بتطهير العقيدة من الخرافات والتقليد، وتطوير
اللغة العربية وأساليب الكتابة واستغلال العلوم العقلية الحديثة التي انتشرت في
الغرب".[131]
ولقد انتقد
محمد عبه التعليم في المدارس الأجنبية المنتشرة عبر تراب الدولة العثمانية ودعا إلى
إنشاء مدارس جديدة يكون أساس تعليمها حسب الوطن والأمة وتعليم ماهية الوطن وماهية الأمة،
ويتم إدخال الطرق الحديثة ووسائل الترغيب المعاصرة.[132]
أما
عن الإطار الفكري للجامعة الإسلامية من المنظور السياسي فقد نادى روادها للتوحيد
السياسي ولكن ليس معنى ذلك التوحيد تحت سلطة شخص واحد إنما تحت سلطة اتحاد سياسي،
فيبقى كل حاكم يحكم بلاده وان يكون سلطان الجميع تطبيق الشريعة الإسلامية الصحيحة،
فمفهوم الجامعة الإسلامية لدى كل من الأفغاني ومحمد عبده أن تكون عبارة عن اتحاد إسلامي
على شكل نظام كونفدرالي أو حلف دفاعيا سياسيا مقدسا أساسه الدين الإسلامي لا دعوة
اندماجية إسلامية.
ولقد كانت
لهذه الأفكار اثر كبير في إحداث العديد من التغيرات في المجتمعات الإسلامية، وظهر
جيل جديد مدين بوجوده الفكري للجيل الذي سبقه، حيث أن هذا الجيل الجديد واصل
الدعوة إلى الجامعة الإسلامية وتميز بحماس لا يقل عن حماس الرواد الأوائل، فعمد
هذا الجيل على إنجاح المبادئ والأفكار التي ضحى من اجلها سابقوهم فكان نتيجة ذلك أن
أصبح من الجيل الجديد قادة كبار وفي طليعتهم محمد رشيد رضا، شكيب ارسلان.
أما
ما يهمنا في دراستنا هذه هو تأثير هذه الحركة على الشعب الجزائري، حيث نجد أن جمال
الدين الأفغاني قد اثر عن طريق محمد عبده على بلدان المغرب العربي بواسطة تيارين
متكاملين، التيار السياسي الاستقلالي الثوري، والتيار الإصلاحي التربوي، فالتيار الأول
يمثله مصالي الحاج (1838-1874) وكان هذا التأثر عن طريق شكيب ارسلان، أما التيار
الثاني فيمثله عبد الحميد بن باديس السائر على النهجى العبدوي.
لقد
تأثر الجزائريون بأفكار الجامعة الإسلامية فنجد في إطار الإخوة والتضامن الديني
والاجتماعي، الرائد عمر بن قدور الجزائري،[133]
فهو واحد من الجزائريين الذين كانوا يطيرون فرحا لنصرة المسلمين في معركة من
المعارك ويتحسرون ألما وغيضا عندما تحدث انكسارات للخلافة العثمانية، لذلك ما برح
يراسل جريدة اللواء فيعبر فيها عن الشعور الإسلامي الفياض اتجاه إخوانهم في المشرق
ويعتبر أن الاتحاد بين المسلمين هو واجب مقدس.
ويضل
ابن قدور أن تكون الجامعة الإسلامية معتمدة على أسس: الدين والوطن،[134]
ولابد من تعايشهما في قلب فرد واحد مسلم فبهما فقط يصير الجسم الإسلامي قويا في
مجموعه وقويا في أجزائه.
ومن
العلامات البينة على سلامة شعور الجزائريين أنهم كانوا يتضرعون إلى الله بان ينصر
جلالة السلطان العثماني على الأعداء خاصة في الأزمة المقدونية، وكانوا يتلهفون
لسماع وتتبع أخبار الشرق، وفي هذا الصدد يقول عمر بن قدور: " عندما تصلني
جريدة اقرأ عليهم – الجزائريين- سرا"[135]
صحيح أن الجزائريين لم يؤثروا كثيرا في الجامعة وذلك لأنهم كانوا في ظروف استعمارية
قاسية وعلى الرغم من ذلك فقد بقوا محافظين على جامعتهم الدينية عن طريق الكتاتيب.
وقد
حاول المستعمر الفرنسي عزل الجزائريين عن بقية إخوانهم في المشرق بمحاولته تجنيسهم
و إدماجهم في الثقافة الغربية، وبهذا تكون الجزائر قد تعرضت إلى أبشع استعمار إستطاني
لم يسبق أن تعرضت له دولة عربية من قبل فكان ذلك دافعهم لتتمسك بأصالتهم أكثر من
ذي قبل.
لقد كانت
الجزائر تتطلع إلى معرفة كل ما يجري في البلاد الإسلامية الأخرى بلهف وشوق حرارة إسلامية
كبيرة، على الرغم من الجدار الحديدي الذي حاول المستعمر أن يقيمه بين الجزائر وبين
كل ما كان يحدث في المشرق إلا أنها تأثرت بقارة الجامعة الإسلامية عن طريق الصحف
المشرقية ومنها: العروة الوثقى والمنار.[136]
وقد كان
السلطان عبد الحميد الثاني، حيث كان محبوبا لديهم إلى درجة أنهم قد حزنوا لإبعاده
عن الحكم سنة 1909، واعتبروا ذلك سابقة خطيرة في تاريخ الخلافة العثمانية،[137]
كما كانت تربط الجزائريين صلات حميمة برواد الجيل الثاني، فكلما أتيحت لهم الفرصة
عبروا عن تعاطفهم وتضامنهم مع إخوانهم المسلمين في أي مكان، وهنا يشد انتباهنا التعبير
الأخوي الذي أدلى به أحمد توفيق المدني (1899-1983).
إلى صديقه
المبارك الميلي ( 1898-1945) و الذي يدل على تفاعل فكر الجامعة بينهم حيث قال
" إني لست بمفرق ولله بين الجزائريين وتونس فتلك ارض الجهاد منيت الأجداد
وهذه الوطن الميلاد ومرتبع الفراغ و الجلاب- بمعنى أسرة عالية الشرف و المقام- ولا
بين أي قطر من أقطار المسلمين فأنا أجاهد حيثما وجد المجاهدين ، بل أجاهد من أجل
تكوين المجاهدين و لا يهمني أن أرجع كثيرا لتونس أو أبقى كثيرا في الجزائر.[138]
"ويظهر من تعبير هذا أنه ناتج عم تمسك و إيمان قوي بأهداف الإسلامية.
أما
عن مساهمة الجزائريين في الجامعة الإسلامية فهي قليلة و لكنها فعالة، حيث قدموا اقتراحات بناءة في تنظيم المنظومة
الإعلامية لما يكن أن تلعبه الصحافة من دور هام في تشكيل الرأي الإسلامي لنصرة فكرة الجامعة الإسلامية، ولذلك
طلب عمر بن قدور تشكيل " جامعة الصحافة الإسلامية" بل ذهب إلى ابعد من
ذلك حيثما اقترح بضرورة عقد مؤتمر إسلامي
في بداية كل سنة في حاضر من حواضر العالم الإسلامي على أن يكون لهذا
المجتمع الإعلامي نقابة و مجلس ورئيس وصندوق خاص به.[139]
والتحقيق هذا الهدف وجه نداء لجميع مسؤولي الصحافة الإسلامية أن يتبنوا هذا المشروع كما تقترح عمر بن قدور
تأسيس جماعة التعارف الإسلامي لأهالي شمال إفريقيا سنة 1914.[140]
ونجد
من أهم الأحداث التي هزت مشاعر الجزائريين عي الاعتداء الايطالي على ليبيا سنة1911،
حيث تضامن
الجزائريون بمختلف شرائحهم و بالقدر الذي يستطيعون مع الشعب الليبي ويظهر ذلك في
قول الدكتور أبو قاسم سعد الله:" شارك كل زعماء الدين و النخبة الجزائرية في
جمع التبرعات أما الصحافة الوطنية الجزائرية فقد قادت حملة واسعة ضد ايطاليا لصالح
العثمانيين والليبيين وقد اشتبك الجزائريون و الايطاليون عدة مرات خصوصا في
الجزائر العاصمة وبجاية و عنابة كما علقت منشورات حائطية تدعوا الجزائريين إلى
مقاطعة الايطاليين...[141]
وقد نشر عمر
بن قدور دعوة صريحة للوقوف إلى جانب الإخوة الليبيين نشرت في جريدة الحضارة
"وتنصب الدسائس على بلاد المغرب وتروج فيها الأكاذيب الأجنبية وتقوم الفتن في
كل ناحية، وتنتهك حرمات الإسلام ويزري بها أهلها ويتبرأ منها فدوما هناك يود كل
واحد لو أن رأسه .... واحة طرابلس الغرب و برقة دون أن يعاين هذا المصاب الجلل و
لعذاب الآخرة أكبر فليتق الله أرباب الأمر في طرابلس الغرب و برقة إن كانوا يعقلون.[142]
أما
فيما يخص رد فعل الفرنسيين على دعاية الجامعة الإسلامية فنجد أنها قد تعددت في
أشكالها ففي سنة 1906 وضع منشور جونار الذي أمر رؤساء العملات الثلاث بغلق المقاهي
ونفي أو طرد أو سجن كل الجزائري المشتبه فيهم، و كانت هذه الحركة نتيجة خوف فرنسا
من خطر الجامعة الإسلامية.[143]
و في سنة 1908
وضعت قرار منعت فيه الجزائريين من الحج إلى مكة بسبب أن الجزائريين اتخذوه كذريعة
للهجرة إلى المشرق في أواخر التسعينات من القرن 19. وانضمامهم إلى لجان الجامعة الإسلامية
التي أنشأت لتمثيل المسلمين الذين كانوا تحت الحكم الأوربي.[144]
أما على
المستوى الشعبي فقد طالب الفرنسيون بوجوب وضع حد لنشاط الجامعة الإسلامية بعدم
السماح للصحافة العربية المشرقية بالتسرب إلى الجزائر.[145]
واقترح احد
الكتاب الفرنسيين تشجيع البربرية لمنع الجزائر من أن تتأثر بمبادئ الجامعة الإسلامية
وهناك من وصفها (أي الجامعة الإسلامية) بالتعصب.[146]
ومن
خلال ما سبق نجد أن الجامعة الإسلامية ساهمت في الحركة الوطنية الجزائرية في إشكال
مختلفة، حيث قدمت لها أفكار وتصورات جديدة من خلال الكتب والصحافة شجعت الجزائريين
على الهجرة نحو الشرق الأدنى كما عرفت بالقضية الجزائرية من خلال مهاجمتها للحكم
الفرنسي وتشجيع الجزائريين على رفض التجنس، أنها ساهمت تماما في اليقظة الجزائرية.
II. 2. زيارة محمد عبده إلى الجزائر
سنة 1903:
لقد تمتع بعض
زعماء الجامعة الإسلامية في الشرق الأدنى بسمعة عظيمة في الجزائر، حيث نجد
المصلحين في الجزائر قد تأثروا بكل من الأفغاني ومحمد عبده، وخاصة هذا الأخير الذي
كان له اثر كبير على الكثير من الشخصيات الجزائرية مثل عبد القادر المجاوي، الشيخ
عبد الحميد بن سماية، ويعود هذا التأثير لزيارة محمد عبده للجزائر سنة 1903 التي
تدخل في إطار رغبة محمد عبده في الاطلاع على أحوال المسلمين بشمال إفريقيا، خاصة
مسلمي تونس والجزائر.
والظاهر أنها
لم تكن الزيارة الأولى للشيخ محمد عبده إلى المنطقة،[147]
ولقد استغرقت هذه الزيارة بين ثلاثة إلى عشرة أيام التقى فيها محمد عبده بعلماء
الجزائر منهم الشيخ عبد القادر بن سماية (1866-1933) والشيخ محمد بن زكور مفتي
المالكية، ومحمد بوقندورة مفتي الحنفية والشيخ محمد بن مصطفى الخوجة (1865-1915)،[148]
ولقد تبنى العديد من هؤلاء أفكار الشيخ، وقد عبر عن ذلك السيد رشيد رضا بقوله:
"... وقد وجد له في الجزائر حزبا دينيا ينتمي إليه من حيث لم يكن يعلم، وإنما
الصلة بينهم وبينه مجلة المنار...".[149]
ولقد طلب ابن
خوجة من الشيخ محمد عبده أن لا يذكر فرنسا بسوء في مجلة المنار حتى لا يحرم
الجزائريين من فيضها، ويظهر ذلك في قولهم: "إننا نعده مدد الحياة لنا، فإذا
انقطع انقطعت الحياة عنا...".[150]
ولقد عقد محمد
عبده خلال زيارته هذه في منزل مضيفه الحاج مصطفى لكحل ببلكور عدة مجالس كانت
مفتوحة للعامة، كما زار أيضا قسنطينة،[151]
وبناء على طلب علماء الجزائر قدم الأمام درسا فسر فيه "سورة العصر" وقد
اعتبر الدرس احد ركائز الإصلاح والإرشاد، وكما قدم الأمام نصائح للجزائريين وركز
فيها على:
-
الجد في تحصيل
العلوم الدينية والدنيوية، وضرورة العمل والكسب وخدمة البلاد بالطرق المشروعة مع
الاقتصاد في المعيشة.[152]
-
حث الجزائريين
على إعطاء الأولوية للتربية والتعلم على السياسة حتى تقوى الدعوة.[153]
لقد كان لهذه
الزيارة صدى وتأثيرا كبيرا في تدعيم ودفع الاتجاه الإصلاحي في المنطقة حتى أن
جريدة ذو الفقار لصاحبها 'عمر قاسم الجزائري' قد حملت أفكار الأمام محمد عبده،
وتجسد ذلك في الروح الإصلاحية للجريدة،[154]
بل أن محررها قد اعتبر عبده "المدير الديني للجريدة"،[155]
ويبدو أن اتصال علماء الجزائر بالأمام بقي مستمرا وبدون انقطاع وتدعم ذلك بعد
زيارة الأمام، ولقد كتب احد علماء الجزائر أبياتا عن زيارة الأمام ومبينا أثرها
على الجزائريين:
قد سعدنا
بزورة منه جاءت بسعود يفر منا
الشقاء.
كم سهرنا ومنه
نلنا علوما ما سمعنا بها ولا الآباء.[156]
ولقد بعث الأمام
محمد عبده برسالة من 'بلرم' بصقلية لعبد الحليم بن سماية، ومن أهم ما جاء فيها
نصيحة للأمام بن سماية وكل الجزائريين بالاشتغال بالعالم فهو المنقذ الوحيد لهم،[157]
وبالتالي يمكننا القول أن هذه الزيارة كانت تعكس بصدق حلقة من حلقات التواصل
الحضاري والتاريخي بين الجزائر والمشرق العربي، والذي سوف يثمر بإنشاء مولود جديد
هو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على النهج العبدوي مع استقلالية في الفكر لا
على درجة التابع والمتبوع.[158]
II. 3. تأثير الصحافة المشرقية في
النهضة الجزائرية:
لقد
كانت للصحافة المشرقية دور كبير في بروز الوعي داخل المجتمع الجزائري، كما ساهمت
في دفع عجلة النهضة الجزائرية، وذلك من خلال الاهتمام ببعض القضايا التي تخص
المجتمع الجزائري، كما حاربت الاستعمار الفرنسي وأساليبه التعسفية في الجزائر،
وساهمت هذه الصحف في تعريف الجزائريين بهذه الوسيلة للدفاع عن مصالحهم والوقوف أمام
تسلط وتعسف الاستعمار، وساهمت هذه الصحف أيضا في حث الجزائريين على مواصلة النضال
الوطني وعملت على ايقاضهم من غفلتهم.
ترجع صلات
المثقفين الجزائريين بالصحافة المشرقية إلى أواخر القرن التاسع عشر، فقد أشار
لوسياني مدير الشؤون الأهلية بالولاية العامة في الجزائر، إلى القبول الحسن الذي
كانت تلقاه الصحف العربية لدى الجزائريين وذلك من خلال تقرير المؤرخ في: 24 ديسمبر
1899: "... أن الصحف التركية الصادرة باللغة العربية، المعلومات التي تصدر في
القسطنطينية وثمرة الفنون التي تصدر في بيروت والسلام التي تصدر في الإسكندرية
تدخل إلى الجزائر وتقرا بشكل واسع وقد تحصلت أنا شخصيا بكل سهولة على أعداد وافرة
منها".[159]
أما نائب عامل
عمالة الجزائر في المدية يشيران الكثير من الجزائريين يشتركون للحصول على هذه
الصحف وأنها تصلهم باستمرار.[160]
وتوطدت هذه
الصلاة أكثر مع مطلع القرن العشرين، بمجيء شارل جونار،[161]
حيث أمر الولاية العامة بالجزائر سنة 1903 بتطبيق سياسة متعاطفة مع الوجهة
الحضارية الإسلامية للجزائر، وهذه السياسة كان يهدف بها جذب الطبقة المثقفة
الجزائرية واستمالتهم إلى فرنسا وجعلهم كأداة لنشر رسالة فرنسا الحضارية وسط الأهالي،[162]
وفي إطار هذه السياسة وجه جونار دعوة للمصلح الشيخ محمد عبده الذي قام بزيارته سنة
1903.
كما سمح
جونارد لمجلة المنار[163]
بالدخول إلى الجزائر، وكانت هذه المجلة عبارة عن مدرسة إصلاحية متنقلة مكتوبة، وقد
لقيت رواجا كبيرا في أوساط المثقفين الجزائريين، ويظهر ذلك من خلال طلبهم من
صاحبها رشيد رضا بعدم التعرض فيها بما يسيء لفرنسا حتى لا تمنع دخولها للجزائر.[164]
فالصحافة
المشرقية وجدت لها جمهورا كبيرا وسط المجتمع الجزائري، وخاصة سياسة التضييق والقمع
التي طبقتهما الإدارة الفرنسية على الصحف الوطنية الجزائرية، الأمر الذي دفع
بجمهور كبير من الجزائريين إلى اقتناء الدوريات العربية المطبوعة في القسطنطينية
والقاهرة وتونس رغم المراقبة الشديدة التي فرضتها الإدارة الفرنسية على هذه الصحف.[165]
فالجزائريون
كانوا حريصين على أن يبقى الاتصال بينهم وبين هذه الصحف رغم المراقبة، كانت هذه
الصحف والمجلات العربية تجد طريقها إلى الجزائر من مصر مباشرة أو من تونس حيث
الرقابة اخف أو عن طريق المغرب الذي كان لا يزال يتمتع باستقلاله أو عن طريق حقائب
الحجاج[166] أو أن
تسلك طريقا آخر عن طريق الصحافة الجزائرية التي كانت كثيرا ما تنقل العديد من
المقالات التي تكتب في بعض الصحف العربية.[167]
وإلى
جانب مساهمتها في توعية الجزائريين كانت الصحف العربية قد فتحت صفحاتها لصرخات
الجزائر ولقضاياها ومعاناة شعبها، فلجا إليها الجزائريون لإيصال صوتهم عن طريقها،
فراسلوا بعض الصحف العربية في المشرق خاصة المصرية، أما صحف المغرب العربي فراسلوا
الصحف التونسية ذات النزعة الإصلاحية والرافضة للاستعمار،[168]
وقد ساهم الجزائريون بأقلامهم في هذه الصحف عن طريق مراسلاتهم ومن أبرز هؤلاء نجد
عمر بن قدور الجزائري الذي برز كمراسل لجريدة اللواء[169]
القاهرية، فكان ينشر مقالاته باسم مراسل اللواء في الجزائر، يشرح من خلالها الأوضاع
المتدنية ويعالج أيضا بعض أحوال العالم الإسلامي،[170]
فكان يكتب أيضا عن صفحات جريدة الحضارة قبل الحرب العالمية الأولى وهي جريدة أنشاها
عبد الحميد الزهراوي بالأستانة عاصمة الخلافة.[171]
وقد شارك عمر
بن قدور في أكثر من 14 دورية عربية قبل الحرب العالمية الأولى[172]،
لقد عالجت الصحف العربية المصرية عدة قضايا جزائرية في صفحاتها فنجد في سنة 1908
ضجة كبيرة إثارتها جريدة اللواء حول تصريحات والقرارات التعسفية التي اتخذها مجلس
الوفود المالية حول مسالة التعليم الأهلي وهذا الأمر اقلق الإدارة الفرنسية في
الجزائر.[173]
كما
نجد أن جريدة المؤيد[174]
هي الأخرى أثارت وعالجت قضايا جزائرية حيث شنت حملة عنيفة (1907-1908) ضد الإدارة
الفرنسية في الجزائر عندما نشرت رسائل تلقتها من الجزائر[175]
وقد كانت الصحف المصرية تحمل دعاية لصالح الجامعة الإسلامية فهاجمت فرنسا ودعت من
خلال مقالاتها أن يرفض الجزائريون التغريب والانسلاخ والاحتفاظ بالشخصية الإسلامية،
فقد وجد الجزائريون من خلال هذه الصحف لسانا صادقا مدافعا عن الإسلام والعربية وإفشال
وفضح مزاعم ومخططات الاستعمار الهادفة إلى سلخ الجزائر عن العالم الإسلامي.[176]
أما
بالنسبة للصحف المغرب العربي فنجد أن تونس كان لها دور كبير في تسريب الأفكار الإصلاحية
وعبور الصحف المشرقية إلى الجزائر، بل نجد تونس كان لها دور استراتيجي هام بالنسبة
للحركة الفكرية والوطنية الجزائرية، حيث كلما شددت السلطة الفرنسية الخناق على
الصحافة وكل وسائل التعبير، كانت الصحف التونسية متنفسا للجزائريين ومنبرا
لكتاباتهم.[177]
ومن
بين الذين أرسلوا وكتبوا في الصحف التونسية هم: عمر راسم، وعمر بن قدور ساهموا
فيها طيلة الفترة الممتدة بين (1907-1911) مساهمة باهرة في التعريف بالأحداث
الداخلية للجزائر، فلقد كان عمر راسم ينشر مقالاته في جريدة "التقدم"
طيلة سنتي (1907-1908)، في سنة 1903 كتب في جريدة "مرشد الأمة" ثم أصبح
كاتبا في جريدة "المشير" نشر بها بعض المقالات الإخبارية.[178]
أما
عمر بن قدور فكان مراسلا لجريدة "التقدم" طيلة سنتي (1908-1909)، تعرض
في مقالاته لأوضاع الجزائر السياسية ودافع فيها عن حقوق الشعب الجزائري، ونشر أيضا
في جريدة "المشير" بعض مقالاته ولقد عالج الجزائريون عن طريق الصحافة
التونسية بعض القضايا الملحة التي كان الواقع الجزائري يواجهها في تلك الفترة مثل
قضية التجنيد الإجباري ودعت هذه الصحف بوجوب تحلي الجزائريين بالروح الوطنية وإدراك
أبعاد الصراع مع الاستعمار.[179]
وهكذا
فالصحف المشرقية كانت مع بداية القرن العشرين بمثابة المنافذ التي تسلل من خلالها
الجزائريون بشرح قضيتهم والتعريف بها، فقد أثرت هذه الصحافة تأثيرا كبيرا في
الجزائر وجعلت الأهالي يتعلقون بها ويحرصون على اقتنائها، وساهمت أيضا من خلال نشر
الوعي بين صفوف الجزائريين وإنماء الحس الوطني بينهم وبذلك فقد أحدثت ثورة ثقافية
ونهضة فكرية بين الجزائريين.
[1] الطيب العلوي، مظاهر المقاومة الجزائرية من
1830 إلى 1954، دار البعث، الجزائر، 1985، ص: 19.
* دي بورمون: هو لويس اوغسيت فيكتور دي نيشان الملقب
بالكونب دي بورمون، ولد سنة 1773، اختاره الملك شارل العاشر كقائد الحملة الفرنسية
على الجزائر سنة 1930، وهو وزير الحربية في وزارة دي بولينياك أثناء حكم شارل
العاشر.
[2] شارل روبير اجيرون، تاريخ الجزائر المعاصرة،
ترجمة عيسى عصفور، ط1، منشورات عويدات، بيروت، 1982، ص:133.
[3] الطيب العلوي، المرجع السابق، ص: 19.
[4]
صالح عوض،
المرجع السابق، ص: 91 – 130.
[5] الطيب العلوي، المرجع السابق، ص: 60 – 61.
[6] جمال قنان، قضايا ودراسات تاريخ الجزائر
الحديث والمعاصر، منشورات المتحف الوطني للمجاهد، ط1، الجزائر، 1994،ص: 109.
[7] صالح عوض، نفس المرجع، ص: 140 – 146.
[8]
خروج قبائل المخزن
من صفوف المقاومة وانضمامهم لخدمة فرنسا سنة 1835، لكنها لم تلتحق دفعة واحدة،
فأول جناح التحق هو جناح الأغا مصطفى بن إسماعيل ثم تلاه جناح الزمالة وفي الأخير
جاء دور المازري والبرجية وكان ذلك في ديسمبر 1835، ولم يكن هذا الصراع سياسيا بل تحول إلى
قتال كمعركة المهرازي في جويلية 1834، في إطار الصراع القائم بين الارستقراطية
العسكرية والدينية، ويذهب الناصري (1835-1897) في كتابه الاستسقاء في أخبار دول
المغرب الأقصى إلى قوله:"إسلا أنه لم ينجح في قومه لإنفساد البواطن".
للمزيد أنظر د.غانم محمد،مقاومة الأمير عبد القادر من خلال الأسطورة المغربية
التقليدية
،مجلة الدراسات التاريخية،العدد8،معهد التاريخ ،الجزائر
،1993-1994،ص:45-35 .
[9] ناهد دسوقي، دراسات في تاريخ الجزائر المعاصر،
دار منشئة المعارف، ط1، القاهرة، 2001، ص: 21 – 24.
[10]
عبد الله شريط،
محمد مبارك الميلي، مختصر تاريخ الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط2،
الجزائر، 1984، ص:214 – 217.
[11] نفسه،
ص :214.
[12] صالح عوض، المرجع السابق، ص: 151 – 170.
[13]
محمد الميلي، ابن
باديس وعروبة الجزائر، ص: 38.
[14] عبد الحميد زوزو، ثورة الاوراس 1879،
المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986، ص: 50 – 51..
[15] فرحات عباس، ص: 80.
[16] صالح عوض، المرجع السابق، ص: 109.
[17] Charles
Robert Ageron, Politique Coloniales au Maghreb, PUE, Paris, 1973, P 62.
[18] صالح عوض، المرجع السابق، ص :110.
[19] يحي بوعزيز، ثورة 1871 ودور عائلتي المقراني
والحداد في الجزائر، ط، 1978، ص: 28.
[20] Ageron,
Op-cit, PP 57 – 58.
[21] المرجع السابق، ص: 172 – 173.
[22] Ageron, Op-cit, P 62.
[23] صالح عوض، المرجع السابق، ص: 208.
[24] قنان جمال، المرجع السابق، ص :136 – 137.
[25]
رابح تركي،
ابن باديس رائد الإصلاح والتربية في الجزائر، ط3، ش. و. ن. ت. الجزائر، 1981،
ص: 131.
[26] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية 1900 – 1930، ج2، ص: 73 – 74.
[27] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية، ج2، ص: 74.
[28] اشتملت الأوقاف على 7 أنواع: أوقاف مكة
والمدينة، أوقاف المساجد، أوقاف الزوايا والقباب، أوقاف الأندلس، أوقاف الإشراف،
أوقاف الانكشارية، أوقاف الطرق العامة والعيون.
[29] عمار هلال، أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر
المعاصرة 1830 – 1862، ديوان المطبوعات الجامعية، 1995، ص: 341 – 342.
[30] حمدان بن عثمان خوجة (1773 – 1845) ينتسب لأسرة
جزائرية عريقة، كان مستشارا للداي حسين وعضو البلدية أثناء الاحتلال، للمزيد انظر
محمد العربي الزبيري، مذكرات احمد باي وحمدان خوجة وبوضربة، ش. و. ن. ت،
الجزائر، 1975، ص: 281.
[31] عثمان بن حمدان خوجة، المرأة، الجزائر،
تحقيق وتقديم د العربي الزبيري ش. و. ن. ت، الجزائر 1975، ص :.
[32] كان في مدينة قسنطينة وحدها 80 مدرسة، و6 معاهد،
و300 زاوية، ولم يبقى منها سنة 1837 سوى 79 كتابا ومدرسة قرآنية واحدة بها حوالي
1305 طفل، للمزيد حول التفاصيل انظر: رابح تركي، التعليم القومي والشخصية
الوطنية، ش. و. ن. ت، الجزائر، 1975، ص: 53.
[33] احمد بن نعمان، التعريب بين المبدأ والتطبيق،
ط2، دار الأمة، الجزائر، 1998، ص: 171.
[34] سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية،
ج2، ص: 81.
[35] الفضيل الورتيلاني، الجزائر الثائرة،
طبعة مزيدة ومنقصة، دار الهدى، الجزائر، 2007، ص: 79 – 80.
[36] خديجة بقطاش، الحركة التبشيرية الفرنسية
بالجزائر 1830 – 1871، ط1، مطبعة دحلب، الجزائر، 1992، ص: 21.
[37] نفس المرجع السابق، ص: 19.
[38] شحاذة الخوري، القضية اللغوية في الجزائر
وانتصار اللغة العربية، مطبعة الكتاب العربي، ب ط، دمشق، 1991، ص: 75 – 76.
[39] حولت جامع كتشاوة إلى كنيسة سنة 1836 ،وجامع
القصبة إلى كنيسة سان كري، كما حولتها إلى ثكنات وهدمت بعضها. ابن نعمان، التعريب
بين المبدأ والتطبيق، ص: 171.
[40] بوحفص مباركي، المشروع الاستعماري الفرنسي،
كتاب الرواسي، جمعية الإصلاح الاجتماعي والتربوي، مطبعة عمار قرفي، باتنة، 1994، ص:
28.
[41] رابح تركي، المرجع السابق، ص: 160.
[42] عمار هلال، المرجع السابق، ص: 105 – 106.
[43] Fanny Colomma, Institeurs
Algériens, 1883 – 1939, OPU Alger, P 16.
[44] حمدان بن حمدان خوجة، المرأة، ص: 26.
[45] أبو القاسم سعد
الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج3، ص: 284.
[46] غي برفيلييي، النخبة الجزائرية الفرانكفونية،
ترجمة م حاج مسعود، أ بكلي، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2007، ص :117.
[47] عمار هلال، المرجع السابق، ص: 117.
[48] احمد توفيق المدني، هذه هي الجزائر،
مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1956، ص 144، للمزيد حول التراجمة انظر سعد الله،
تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، ص: 160 – 163.
[49] أبو القاسم سعد
الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج3، ص: 284 – 334.
[50] احمد توفيق المدني، جغرافية القطر الجزائري،
مكتبة النهضة، القاهرة، 1963، ص: 138.
[51] عبد الحميد زوزو، نصوص ووثائق في تاريخ
الجزائر المعاصر 1870 – 1900، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص: 214.
[52] نور الدين غولي، التعليم العربي في الجزائر
ما بين 1830 – 1900، اشراف جمال قنان، رسالة ماجستير، 1985، ص: 84.
[53] خيثر لخضر، المرجع السابق،
ص: 18.
[54] جمال قنان، نصوص سياسية جزائرية في القرن 19،
ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1993، ص 190.
[55] جمال قنان، التعليم الاهلي في الجزائر في عهد
الاستعمار 1830 – 1944، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية
وثورة أول نوفمبر 1954، طبعة خاصة، الجزائر، 2007، ص 140.
[56] اهتمت كثيرا باختيار الأماكن الحساسة التي تراها
مناسبة لتلعب دورا فيما بعد، وعليه فقد اختارت منطقة القبائل الكبرى كأحسن منطقة و
أنشأت 6 مدارس ما بين 1883 – 1884. للمزيد انظر: جمال قنان، التعليم الأهلي في
الجزائر في عهد الاستعمار 1830 – 1944، ص 105، وعبد الحميد زوزو، نصوص ووثائق في
تاريخ الجزار المعاصر، ص 218.
[57] احمد توفيق المدني، هذه هي الجزائر، ص 141.
[58] تأسست في عهد الجمهورية الفرنسية الثانية 1848 –
1852 بموجب مرسوم 14 جويلية 1850. انظر حلوش عبد القادر، السياسة التعليمة
الفرنسية الفرنسية في الجزائر 1871 – 1914، ص 33.
[59] أبو القاسم سعد
الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج3، ص 290، وجمال قنان، التعليم الأهلي في
الجزائر في عهد الاستعمار، 1830 – 1944، صص 40 – 41.
[60] حلوش عبد القادر، السياسة التعليمية الفرنسية
في الجزائر 1871 – 1914، رسالة ماجستير سنة 1981 – 1982، ص: 30.
[61] Mahfoud Kaddache, L’Algérie
des algeriens 1830 – 1954, Edition Rocher Noir, Juillet 1998, P 148.
[62] احمد بن نعمان، كيف صارت الجزائر مسلمة
عربية، شركة دار الأمة للنشر والطباعة، ط 2، أفريل 1998، صص 103 – 123.
[63] مالك بن نبي، مذكرات شاهد القرن، الطالب،
ط1، دار الفكر، بيروت، 1970، ص: 81.
[64] رابح تركي عمامرة، المرجع السابق، ص: 106 – 107.
[65] احمد بن نعمان، مقاومة المجتمع الجزائري لسياسة
فرنسا، مجلة الثقافة، العدد 52، أوت 1979، ص:59 – 60.
[66] مولود قاسم نايت بلقاسم، اللغة والشخصية في حياة
الامم، عدد خاص بالتعريب، الأصالة، العدد 17 – 18، السنة الرابعة، جانفي – ديسمبر
1973 – 1974، ص: 63.
[67] فرحات عباس، المرجع السابق، ص: 106.
[68] المرجع نفسه، ص: 107.
[69] عمار طالبي، آثار ابن باديس، ج1، مكتبة
الشركة الجزائرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، ط2، الجزائر، 1968، ص :49.
[70] احمد بن نعمان، كيف صارت الجزائر عربية مسلمة،
ص: 109.
[71] احمد بن نعمان، المرجع السابق، ص: 109.
[72] جمال قنان، قضايا ودراسات في تاريخ الجزائر،
ص: 172.
[73] جمال قنان، نصوص سياسية جزائرية في القرن
التاسع عشر 1830 – 1944، ص :261.
[74] La Revue Indigène N° 6364, Année Juillet – Août 1911, P
405.
[75] يذهب مصطفى الأشرف في
كتابه الجزائر الأمة والمجتمع ص 322 – 324، إلى أن التجنيد الخاص
بالجزائريين كان معمولا به قبل توقيع معاهدة تامنة، وقد كانت فرنسا تتخذ المجندين
كرهائن من جهة وكاعوان او حركية من جهة ثانية.
[76] Charles Robert
Ageron, Les algérien Musulmans et la
France 1871 – 1919 I, II, 1er Edition, Paris,
1968, P 1050.
[77] هذه المنافع قد ألغيت بالتدريج وبدخول عام 1912
أصبح التجنيد الإجباري في أول الأمر جزئيا (10% من الجيش) ثم أصبح شاملا، سعد الله أبو القاسم، وأراء في تاريخ
الجزائر، ص :57.
[78] La Revue African , N° 52, OPU, Alger, 1908, PP 114
– 120.
[79] La Revue African , Op,Cit P 154.
[80] Ibidom, PP 150 – 154.
[81] Ibidom, PP 150 – 154.
[82] يحي جلال، تاريخ المغرب العربي الكبير، ج3، دار
الغرب الإسلامي، بيروت، 1984، ص :203.
[83] Charles Robert Ageron, Op-cit, P
1058.
[84]
Ibidom, P 1060.
[85]
Ageron, Op-cit, P 1068.
[86] عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من
البداية إلى غاية الاستقلال 1962، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1997، ص:
206 – 207.
[87] La Revue African , Op-cit, P 145.
[88] La revue African, Op-cit, P 150.
[89] حسب الاحصائيات الفرنسية فالجزائر قد خسرت 25711
قتيل من المسلمين و72035 جريح ومعطوب أي 14.5% من القوات الجزائرية التي جندت للدفاع عن فرنسا، للمزيد انظر:
عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية الاستقلال 1962، ص:
206 – 207.
[90] La Revue African , G. Bevia, 1908, N° 52, PP 954 –
956.
[91] La Revue African ,
Op-cit, PP 115 – 150.
[92] سعد الله، ج2، ص 196.
[93] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص: 125.
[94] وقد بلغ عدد المهاجرين من سكان شمال إفريقيا في
أوائل العشرينيات من هذا القرن بين 45 – 63 ألف مهاجر نحور مصر، فلسطين، الشام،
الحجاز، الأناضول، انظر: أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية، 1900 – 1930،
ص :96، وعبد الحميد زوزو، الهجرة ودورها في الحركة الوطنية.
[95] عبد الحميد زوزو، الهجرة ودورها في الحركة
الوطنية الجزائرية بين الحربين العالميتين 1918 – 1939، ص 14، وناهد دسوقي، ص :61
– 62.
[96] ناهد دسوقي، المرجع السابق، ص: 65.
[97] جمال قنان، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر
خلال القرن 19، ص: 220.
[98] نفسه، ص: 278 – 282.
[99] حميد بطاطيا، تسخير الاقتصاد الجزائري ابان
الحرب العالمية الاولى، 1914 – 1918، ص :10.
[100] أبو القاسم سعد
الله، تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص: 20.
[101] سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية، ج2، ص 157
و Charles Robert Ageron, Op-cit, PP 1147 – 1148.
[102] وجدت الصحافة الوطنية ثغرة ضعف في الحكم الفرنسي
ووجهت جملة عنيفة هذه، واثناء هذه الفترة قال احد الصحفيين الفرنسيين بان
الجزائريين كانوا يوشوشون بكلمتي الحقوق والتقدم، وهذا من معالم نهضة الجزائريين.
للمزيد انظر سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص 157.
[103] بالنسبة للاجور، كانت ضعيفة حوالي فرنك يوميا
مقارنة بالفرنسي الذي يتقاضى 8 فرنكات يوميا.
[104] الطيب العلوي، المرجع السابق، صص 94 – 95.
* اطلق عليهم جناح الحافظين، تسمية "الفرنسيين
المزعومين". انظر سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية، ج2، ص 157.
* حركة الشبان الجزائريين: هي حركة نشأت بفعل تأثرها
بحركات موجودة في العالم الإسلامي في بداية القرن 20، كحركة تركيا الفتاة، وتونس
الفتاة.
[105] عمار بوحوش، المرجع السابق، ص 211.
[106] د. الجيلالي صاري، محفوظ قداش، الجزائر في
تاريخ المقاومة السياسية 1900 – 1954، ص :39.
[107] جورج انطونيوس، يقظة العرب، تاريخ العرب
والقومية، ترجمة د ناصر الدين أسدود، امسان عباس، دار العالم للملايين، بيروت،
ط7، 1982، ص: 84.
[108] عمار هلال، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر
المعاصرة، 1830 – 1962، ديوان المطبوعات الجامعية، 1982، الجزائر، ص: 205 –
206.
[109] سعد الله أبو القاسم، الحركة الوطنية،
ج2، ص: 205.
[110] سعد الله أبو القاسم، المرجع نفسه، ص: 205.
[111] عمار بحوش، المرجع السابق، ص :212 – 213.
[112] سعد الله أبو القاسم، نفس المرجع السابق، ص: 196
– 197.
[113] عمار بحوش، المرجع السابق، ص:212 – 213.
[114] ناهد دسوقي، المرجع السابق، ص: 65.
[115] جمال الدين الأفغاني 1839 – 1897، رجل سياسي،
أفغاني الأصل، وهو احد العلماء المسلمين الداعين للإصلاح والتجديد، وهو الذي اتى
بفكرة الجامعة الإسلامية، وهو احد مؤسسي جريدة العروة الوثقى.
[116] عبد الرحمان الكواكبي 1854 – 1902، من كبار رجال
الإصلاح ساهم كثيرا في اليقظة العربية وناضل طول حياته ضد الجور والاستبداد، من
مؤلفاته طبائع الاستبداد ومصالح الاستعباد" وام القرى، للمزيد انظر: احمد
أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، الأنيس نوفمبر للنشر، المؤسسة الوطنية للفنون
المطبعية، الجزائر، 1990، ص: 319 – 320 – 321.
[117] محمد عبده 1849 – 1905: سياسي مصري من علماء
المسلمين الداعين للإصلاح والتجديد، حرر جريدة الوقائع المصرية واصدر في باريس مع
جمال الدين الأفغاني جريدة العروة الوثقى، اشتغل بالتعليم والتاليف، من مؤلفاته:
رسالة التوحيد، تفسير القران. للمزيد انظر: احمد أمين، المرجع السابق، ص: 357.
[118] شكيب ارسلان 1871 – 1946، أديب وسياسي لبناني،
من أعلام النهضة العربية، ولد في الشويفات، من مؤلفاته: الحلل السندسية في الأخبار
والآثار الأندلسية، منجد الأعلام والأماكن، دار الشرق، بيروت، 1988، ص :37.
[119] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص: 182.
[120] الجامعة السلافية، هي تلك الشعوب التي تنحدر من
الجنس الهندو أوربي، هذا العنصر منتشر بأوربا الشرقية وهناك نوعان من السلاف
شرقيون وكان الرابط بينهم اللغة والمعتقد والعرف.
[121] الجامعة الجرمانية: تتمثل في القومية الألمانية
ومن أهدافها أن تتزعم القارة الأوربية.
[122] انحدرت هذه الامة من ثلاث: Les Saxons, Les Jutes, Les Angles. للمزيد انظر: عزيز الشناوي، الدولة العثمانية دولة اسلامية
مفترى عليها، ج1، مكتبة الأنجلو مصرية، مصر، 1947، ص :58..
[123] عزيز الشناوي، المرجع السابق، ص: 48.
[124] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية، ج2، ص: 114.
[125] عبد الله حنا، الاتجاهات الفكرية في سوريا
ولبنان من 1945 – 1960، دار التقدم العربي، دمشق، 1973، ص: 76.
[126] علي المحافظة، الحركات الفكرية في عصر النهضة
في فلسطين والأردن، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1987، ص: 118.
[127] أحمد أمين، المرجع السابق، ص :78.
[128] جمال الدين الأفغاني، الرد على الدهريين،
ترجمة الأستاذ محمد عبده، مكتبة الخزناجي بمصر والمثنى ببغداد، ط2، 1995، ص: 25.
[129] أحمد أمين، المرجع السابق، ص: 327.
[130] محمد باشا المخزومي، خاطرات جمال الدين
الأفغاني الحسيني، دار الفكر الحديث، ط2، لبنان، 1965، ص:71.
[131] محمد صالح المراكشي، تفكير محمد رشيد رضا من
خلال مجلة المنار (1898-1935)، الدار التونسية للنشر، 1985، ص :397.
[132] محمد رشيد رضا، تاريخ الأمام الأستاذ محمد
عبده، ج1، مطبعة المنار، مصر، 1931، ص: 309.
[133] عمر بن قدور الجزائري 1886-1932، عرف باتجاهه
الإصلاحي السلفي، عمل مراسل لجريدة اللواء سنة 1906، وهو صحفي بارع صاحب جريدة الفاروق
1913-1915، من أهم مؤلفاته "الإبادة والإعادة في سلك السعادة".
[134] صالح خرفي، الشعور الإصلاحي في الجزائر،
مجلة الثقافة، العدد 44، 1972، ص 117.
[135] المرجع السابق، ص 117.
[136] صالح خرفي، شعر المقاومة الجزائرية،
الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1978، ص 125.
[137] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص 183.
[138] احمد توفيق المدني، حياة كفاح 1905-1925،
ج1، الشركة الوطنية للنشر، د ت، ص:9.
[139] صالح خرفي، عمر بن قدور الجزائري، ص:
120.
[140] نفسه، ص :41.
[141] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص: 183.
[142] صالح خرفي، عمر بن قدور الجزائري، ص:
107.
[143] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص: 192.
[144] نفسه، ص :113.
[145] نفسه، ص: 123.
[146] نفسه، ص: 192 – 193.
[147] أنور الجندي، الفكر والثقافة المعاصرة في شمال
إفريقيا، الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة، 1965، ص 82.
[148] محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الأمام الشيخ محمد
عبده، الجزء 1، ط1، مطبعة المنار، مصر، 1931، صص 870 – 874.
[149] محمد رشيد رضا، المرجع السابق، ص 872.
[150] محمد رشيد رضا، المرجع السابق، ص 872.
[151] Ahmed (Koula Kais) Gilbert
(M) : L’Emir Khaled, Première Zami, Identitie Algérienne et Colonialisme
Française, Edition L’harmahan), Paris, 1987, P 24.
[152] مجلة المنار، المجلد السادس، 22 أكتوبر 1903،
مطبعة المنار، مصر، ص 917.
[153] محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الأمام، ج1، ص 870
– 874..
[154] جريدة ذو الفقار، العدد 14، جوان 1914.
[155] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ط3، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر،
1983، ص 120.
[156] للمزيد انظر: رشيد رضا، تاريخ الأمام، الجزء 3،
ص 304.
[157] رشيد رضا، نفس المرجع، ج2، ص 617.
[158] د. محمد البرج، الجزائر في كتابات محمد عبده،
مجلة الأصالة، العدد 52، 1987، ص 23.
[159] عمار هلال، الهجرة الجزائرية نحو بلاد الشام
1847 – 1918، لافوميل، الجزائر، 1986، ص: 279.
[160] نفسه ص :279.
[161] الحاكم العام في الجزائر ما بين 1903-1911، خلال
فترة حكمه تم إنشاء المحاكم الرادعة وقام بتجديد قانون الأهالي ضمن إجراءات
اضطهادية جديدة تعرف بمنشورات شارل جونار، كما عرفت فترة استرخاء كبير تجاه
الجزائريين بغية تطويق النهضة الجزائرية واستدراجها لخدمة مستقبل فرنسا في
الجزائر، عن أبو القاسم سيعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج1، ص: 85.
[162] جمال بوشارب، حول موقف الإدارة الفرنسية من
الصحافة الوطنية الجزائرية من خلال النصوص الرسمية 1881-1919، مذكرة ماجستير، معهد
التاريخ، جامعة الجزائر، 1994-1995، ص 60.
[163] المنار: جريدة أسبوعية تعتبر من طليعة الصحف
العربية أسسها محمد رشيد رضا سنة 1897، تتميز بطابعها الإصلاحي الديني والاجتماعي
والأدبي ثم حولت إلى مجلة شهرية. عن جمال بوشارب، المرجع السابق، ص 60.
[164] محمد رشيد رضا، المرجع السابق، ص 872.
[165] نفسه، ص 61.
[166] ناصر محمد، المقالة الصحفية الجزائرية
نشاطاتها وتطورها وإعلامها 1903-1931، ج1، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،
الجزائر، 1978، ص 56.
[167] خرفي صالح، مدخل إلى الأدب الجزائري الحديث، الشركة
الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ص 70.
[168] الجابري محمد صالح، النشاط العلمي والفكري
للمهاجرين الجزائريين بتونس 1900-1962، الدار العربية للكتاب، تونس، 1983،
223.
[169] أسسها مصطفى كامل المصري سنة 1900، تكتب عن
الجزائر كثيرا وتدافع عن أقطار المغرب العربي في وجه المظالم الاستعمارية وتعنى
بشؤون العرب.
[170] خرفي صالح، الجزائر والأصالة الثورية،
الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1997، ص 77.
[171] نفسه، ص 78.
[172] نفسه، ص 80.
[173] جمال بوشارب، المرجع السابق، ص 62.
[174] جريدة
مصرية أسسها احمد ماضي وعلي يوسف سنة 1889، ويقول عنها سعد الدين بن أبي شنب أنها
ابتداء من سنة 1889 أخذت تدعوا إلى اليقظة وإصلاح المفاسد المتفشية بين العرب
وتحبيب الحرية والثورة على الاستبداد الاستعماري.
[175] جمال بوشارب، المرجع السابق، ص 62.
[176] أبو القاسم سعد
الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ص 121.
[177] الجابري، المرجع السابق، ص 184.
[178] نفسه، ص 157.
[179] نفسه، ص 224.
انا لا اريد هده المعلومات عن الاحتلال الفرنسي بالاضافة انه طويل جدا طلبي يحتاج الى سطر واحد . وهوما السبب الرئيسي لمجيئ العثمانيين الى شمال افريقيا . ارجوكم لقد تعبت من البحث عن الاجابة ارجوكم
ردحذفان السبب الرئيسي لمجيء العثمانيين بشمال افريقيا لم يكن تحت مسمى فتوحات او غزو بل كان بدعوة من اهالي تونس في البداية لرد الحملات الصليبية وبعد ان تمكن العثمانيين من رد هذه الهجمات راى سكان بجاية وجيجل الجزائريتين ان يفعلو نفس الشيئ وسرعانما بدا التوسع العثماني
حذفأواخر القرن الخامس عشر، حيث عرف عالم البحر الأبيض المتوسط مرحلة مهمة جدا تجلت في بدء التفوق الأوربي في مجال التقنيات الحربية والبحرية، وهو الأمر الذي ساهم في تغيير ميزان القوى .
حذفوكان من نتائج هذا التفوق احتلال الإسبان والبرتغاليين للسواحل الأطلسية والمتوسطية في الشمال الإفريقي ، وإذا كان المغرب قد استطاع التصدي للحملة الإيبرية على شواطئه بفضل الدولة السعدية الناشئة، فان بلدان شمال إفريقيا الأخرى اختارت حلا مغايرا تجلى في استقدام قوة خارجية عن البلاد وهي القوة التركية، فأمام الصعوبات التي وجدها عروج بعد فشله في استخلاص قلعة الجزائر بعث بوفد إلى استانبول سنة 1519 محملا بالهدايا والبيعة للسلطان سليم الأول هذه البيعة التي لم يتردد السلطان العثماني في قبولها ؛ لأنها فتحت الطريق لهم بسهولة للوصول إلى الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط .
ومقابل البيعة المذكورة تم تعيين خير الدين بعد مقتل أخيه عروج حاكما على جزائر الغرب، ومن ثم أصبحت شرعية الحاكم في الجزائر مرتبطة بالباب العالي11.
ومن هنا يمكننا القول : إن البدايات الأولى للعثمانيين بالشمال الإفريقي كانت نتيجة عملية الاستنجاد المقرونة بالبيعة الطوعية، وليست ناتجة عن الحرب والغزو، فالإدارة العثمانية لم يكن في نيتها ضم شمال إفريقيا بالقوة لأسباب مالية وعسكرية وطبيعية .
وبعد ضم خير الدين بمساعدة الأتراك تونس، بقي المغرب البلد الوحيد في الغرب الإسلامي الذي أفلت من التبعية العثمانية، ومن ثم يمكن تفسير طابع التوتر والحذر الذي ميز علاقات الدولتين