مقالة فلسفية حول العدالة الاجتماعية
هل يمكن اعتبار المساواة المطلقة بين الأفراد أساسا لتحقيق العدالة في المجتمع ؟
الطريقة : جدلية :
مقدمة : ( طرح المشكلة )
إذا كان العدل يعني المساواة في توزيع الحقوق و الواجبات بين أفراد المجتمع، وإذا كان أي تفاوت يعني تمييز البعض عن البعض الآخر فيقضي بذلك عن العدالة ، هل هذا يعني أن العدالة لن تتحقق إلا إذا اخذ الناس نفس الحقوق و كانت عليهم نفس الواجبات ؟ ولكن كيف يمكن أن نعطي الناس نفس الحقوق و نطالبهم بنفس الواجبات و هم لا يملكون نفس القدرات و لا يبذلون نفس المجهودات ؟ ألا يعني هذا أن العدالة هي احترام التفاوت بين الأفراد؟
و المشكل المطروح هل العدالة تتحقق على أساس المساواة أم التفاوت ؟
العرض : ( محاولة حل المشكلة )
ان غاية كل المجتمعات هي تحقيق العدالة الاجتماعية وان كانت تختلف في وسائل تحقيقها يرى البعض من الفلاسفة بان تحقيق العدالة لا يكون إلا بتطبيق المساواة المطلقة بين أفراد المجتمع ، وإزالة كل تمييز أو اختلاف بينهم لان التمييز والاختلاف في توزيع الحقوق ظلم و الظلم ضد العدل ، إن العدالة في نظرهم لا تتحقق إلا إذا الناس نفس الحقوق و كانت عليهم نفس الواجبات ، وهذا الاتجاه يعود إلى مؤسسه الأول الفيلسوف و رجل السياسة الروماني * شيشرون * الذي اشتهر بمقولته * الناس سواء وليس هناك شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان ، لنا جميعا عقل ولنا جميعا حواس ، وان اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم * ، فهذه المقولة تعبر عن رأيه الصريح في تطبيق المساواة المطلقة لتحقيق العدالة ، وقد أيده في ذلك الفيلسوف الفرنسي مالبرانش الذي يعتقد إن طبيعة الإنسان واحدة ، وان لم يكن الناس اليوم متساوين فان هذا يرجع إلى القوة
و القانون الظالم الذي ميز بين الناس وليس إلى الطبيعة ، كذلك الفيلسوف الألماني *ايمانويل كانط * جعل من المساواة أساسا لبناء أي عدالة في المجتمع ، ومعظم الفلاسفة العقليين يؤيدون هذا الاتجاه من خلال اعتبارهم العقل العامل المشترك بين جميع الناس ، يقول ديكارت * إن العقل هو اعدل قسمة بين الناس * ، هكذا أقام
الأمريكيون دستورهم سنة 1776 على فكرة أن الناس يخلقون متساوين ، فلكل إنسان الحق في الانتخاب مثلا لمجرد انه إنسان
ولكن يبدو أن أصحاب هذا الموقف المتمثل في المساواة لا يريدون الاعتراف بالطبيعة التي ميزت و فرقت بين الناس ، فمنهم القوي و الضعيف و منهم الذكي و الغبي فكيف يمكننا أن تسوي بين من هم ليسو متساوين أصلا ؟ ، فهذا الموقف يحقق الظلم أكثر من تحقيقه للعدل
وعلى النقيض من الموقف الأول نجد موقفا آخر يقيم العدالة على مبدأ احترام التفاوت و الاختلاف الموجود بين الأفراد ، فقد تصور الفيلسوف اليوناني * أفلاطون * في كتابه الجمهورية مجتمعا مثاليا عادلا أساسه احترام التفاوت بين أفراده ، فهناك من له ملكة الحكمة وهناك من ليست له هذه الملكة و ليس من العدل أن تسوي بينهم ، إن العدالة الحقيقية في نظره هي أن يوضع كل فرد في موضعه المناسب له ، وقد قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاث طبقات وهم ، طبقة الحكام الذين يصفون بالحكمة و المعرفة ، وطبقة الجنود الذين يتصفون بالشجاعة ،وطبقة العبيد الذين تسيطر عليهم شهواتهم . ولكي تقوم العدالة يجب أن تخضع كل طبقة للأخرى بدءا بالعبيد وصولا إلى الحكام .
وقد أيده في ذلك الفيلسوف الألماني * فردريك نيتشه * الذي رأى هو أيضا أن العدالة لن تتحقق الا إذا احترم التفاوت الطبقي بين الأفراد ، فالناس في نظره صنفان هما الأسياد و العبيد ومن الطبيعي أن يحكم الأسياد ويكون لهم حق الملكية ، و لا يكون للعبيد سوى حق الطاعة و الخضوع للأسياد ، كذلك انتقد نيتشه فكرة الديمقراطية التي تسمح للعبيد بالتعبير عن آرائهم وكذا التطلع إلى ما في أيدي الأسياد ،فهذا في نظره جنون يجب القضاء عليه وهذه الديمقراطية خطر على الإنسانية جمعاء ، أما الفيلسوف الألماني الآخر* فردريك هيغل*
فقد جعل التفاوت على أساس مختلف إذ انه جعله على مستوى الشعوب و الأمم لا الأفراد فالأمم في نظره يتميزون عن بعضهم البعض فالأمة الألمانية في اعتقاده هي أفضل و أرقى الأمم و يجب على الأمم الأخرى أن تخضع لها و لسلطتها .
غير أن التاريخ الإنساني يشهد بان فكرة التفاوت التي تبنتها العديد من المجتمعات و اعتبرت
كأساس لتحقيق العدالة الاجتماعية ، رفضها الضعفاء وثاروا ضدها وطالبو بحقهم
الإنساني في عيش حر و كريم ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التفاوت ظلم و
كمثال على ذلك الثورة التي قامت في روسيا سنة 1917 * الثورة البلشفية *.
إن العدالة الحقيقية في المجتمع لا يمكن أن تقوم على المساواة المطلقة بين الأفراد كما
لا يمكن أن تقوم على فكرة التفاوت المطلق الذي يولد الطبقية الظالمة ، بل يجب اعتماد
المساواة وفق معايير محددة وليست مساواة مطلقة وهذه المعايير تتمثل في الحقوق الطبيعية
للإنسان فقط ، أما التفاوت فينبغي أن لا يكون وسيلة للاستغلال و الطبقية المتمثلة في
الرأسمالية الاقتصادية التي تهدف إلى الربح فقط على حساب الإنسان البسيط .
الخاتمة : ( حل المشكلة )
وهكذا نستنتج في الأخير من طرحنا لإشكالية تحقيق العدالة ، بان العدالة لا تحقق بتطبيق المساواة المطلقة ولا تتحقق كذلك بمراعاة التفاوت الموجود بين الأفراد ، بل يمكن لحد ما تحقيق العدالة بالمساواة أمام القانون والتفاوت في القدرات والإمكانات التي يمتاز بها كل فرد .
إعداد الأستاذ : بودانة عبد الهادي
هل يمكن اعتبار المساواة المطلقة بين الأفراد أساسا لتحقيق العدالة في المجتمع ؟
الطريقة : جدلية :
مقدمة : ( طرح المشكلة )
إذا كان العدل يعني المساواة في توزيع الحقوق و الواجبات بين أفراد المجتمع، وإذا كان أي تفاوت يعني تمييز البعض عن البعض الآخر فيقضي بذلك عن العدالة ، هل هذا يعني أن العدالة لن تتحقق إلا إذا اخذ الناس نفس الحقوق و كانت عليهم نفس الواجبات ؟ ولكن كيف يمكن أن نعطي الناس نفس الحقوق و نطالبهم بنفس الواجبات و هم لا يملكون نفس القدرات و لا يبذلون نفس المجهودات ؟ ألا يعني هذا أن العدالة هي احترام التفاوت بين الأفراد؟
و المشكل المطروح هل العدالة تتحقق على أساس المساواة أم التفاوت ؟
العرض : ( محاولة حل المشكلة )
ان غاية كل المجتمعات هي تحقيق العدالة الاجتماعية وان كانت تختلف في وسائل تحقيقها يرى البعض من الفلاسفة بان تحقيق العدالة لا يكون إلا بتطبيق المساواة المطلقة بين أفراد المجتمع ، وإزالة كل تمييز أو اختلاف بينهم لان التمييز والاختلاف في توزيع الحقوق ظلم و الظلم ضد العدل ، إن العدالة في نظرهم لا تتحقق إلا إذا الناس نفس الحقوق و كانت عليهم نفس الواجبات ، وهذا الاتجاه يعود إلى مؤسسه الأول الفيلسوف و رجل السياسة الروماني * شيشرون * الذي اشتهر بمقولته * الناس سواء وليس هناك شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان ، لنا جميعا عقل ولنا جميعا حواس ، وان اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم * ، فهذه المقولة تعبر عن رأيه الصريح في تطبيق المساواة المطلقة لتحقيق العدالة ، وقد أيده في ذلك الفيلسوف الفرنسي مالبرانش الذي يعتقد إن طبيعة الإنسان واحدة ، وان لم يكن الناس اليوم متساوين فان هذا يرجع إلى القوة
و القانون الظالم الذي ميز بين الناس وليس إلى الطبيعة ، كذلك الفيلسوف الألماني *ايمانويل كانط * جعل من المساواة أساسا لبناء أي عدالة في المجتمع ، ومعظم الفلاسفة العقليين يؤيدون هذا الاتجاه من خلال اعتبارهم العقل العامل المشترك بين جميع الناس ، يقول ديكارت * إن العقل هو اعدل قسمة بين الناس * ، هكذا أقام
الأمريكيون دستورهم سنة 1776 على فكرة أن الناس يخلقون متساوين ، فلكل إنسان الحق في الانتخاب مثلا لمجرد انه إنسان
ولكن يبدو أن أصحاب هذا الموقف المتمثل في المساواة لا يريدون الاعتراف بالطبيعة التي ميزت و فرقت بين الناس ، فمنهم القوي و الضعيف و منهم الذكي و الغبي فكيف يمكننا أن تسوي بين من هم ليسو متساوين أصلا ؟ ، فهذا الموقف يحقق الظلم أكثر من تحقيقه للعدل
وعلى النقيض من الموقف الأول نجد موقفا آخر يقيم العدالة على مبدأ احترام التفاوت و الاختلاف الموجود بين الأفراد ، فقد تصور الفيلسوف اليوناني * أفلاطون * في كتابه الجمهورية مجتمعا مثاليا عادلا أساسه احترام التفاوت بين أفراده ، فهناك من له ملكة الحكمة وهناك من ليست له هذه الملكة و ليس من العدل أن تسوي بينهم ، إن العدالة الحقيقية في نظره هي أن يوضع كل فرد في موضعه المناسب له ، وقد قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاث طبقات وهم ، طبقة الحكام الذين يصفون بالحكمة و المعرفة ، وطبقة الجنود الذين يتصفون بالشجاعة ،وطبقة العبيد الذين تسيطر عليهم شهواتهم . ولكي تقوم العدالة يجب أن تخضع كل طبقة للأخرى بدءا بالعبيد وصولا إلى الحكام .
وقد أيده في ذلك الفيلسوف الألماني * فردريك نيتشه * الذي رأى هو أيضا أن العدالة لن تتحقق الا إذا احترم التفاوت الطبقي بين الأفراد ، فالناس في نظره صنفان هما الأسياد و العبيد ومن الطبيعي أن يحكم الأسياد ويكون لهم حق الملكية ، و لا يكون للعبيد سوى حق الطاعة و الخضوع للأسياد ، كذلك انتقد نيتشه فكرة الديمقراطية التي تسمح للعبيد بالتعبير عن آرائهم وكذا التطلع إلى ما في أيدي الأسياد ،فهذا في نظره جنون يجب القضاء عليه وهذه الديمقراطية خطر على الإنسانية جمعاء ، أما الفيلسوف الألماني الآخر* فردريك هيغل*
فقد جعل التفاوت على أساس مختلف إذ انه جعله على مستوى الشعوب و الأمم لا الأفراد فالأمم في نظره يتميزون عن بعضهم البعض فالأمة الألمانية في اعتقاده هي أفضل و أرقى الأمم و يجب على الأمم الأخرى أن تخضع لها و لسلطتها .
غير أن التاريخ الإنساني يشهد بان فكرة التفاوت التي تبنتها العديد من المجتمعات و اعتبرت
كأساس لتحقيق العدالة الاجتماعية ، رفضها الضعفاء وثاروا ضدها وطالبو بحقهم
الإنساني في عيش حر و كريم ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التفاوت ظلم و
كمثال على ذلك الثورة التي قامت في روسيا سنة 1917 * الثورة البلشفية *.
إن العدالة الحقيقية في المجتمع لا يمكن أن تقوم على المساواة المطلقة بين الأفراد كما
لا يمكن أن تقوم على فكرة التفاوت المطلق الذي يولد الطبقية الظالمة ، بل يجب اعتماد
المساواة وفق معايير محددة وليست مساواة مطلقة وهذه المعايير تتمثل في الحقوق الطبيعية
للإنسان فقط ، أما التفاوت فينبغي أن لا يكون وسيلة للاستغلال و الطبقية المتمثلة في
الرأسمالية الاقتصادية التي تهدف إلى الربح فقط على حساب الإنسان البسيط .
الخاتمة : ( حل المشكلة )
وهكذا نستنتج في الأخير من طرحنا لإشكالية تحقيق العدالة ، بان العدالة لا تحقق بتطبيق المساواة المطلقة ولا تتحقق كذلك بمراعاة التفاوت الموجود بين الأفراد ، بل يمكن لحد ما تحقيق العدالة بالمساواة أمام القانون والتفاوت في القدرات والإمكانات التي يمتاز بها كل فرد .
إعداد الأستاذ : بودانة عبد الهادي
ليست هناك تعليقات
إذا لم تجد عما تبحث عنه اكتبه بعد التعليق وستجده مرة أخرى إن شاء الله و تأكد ان تعليقك يهمنا...